منذ الانقلاب الذي تبعته انقلابات أخرى مصاحبة في أجهزةٍ كثيرة داخل الدولة في
مصر، أهم عنوان هذه المرحلة الفشل، ومع هذا الفشل في الأداء من نظام الثالث من يوليو؛ فإن أجهزة ومؤسسات صادفت هي الأخرى فشلاً ذريعا وإخفاقا كبيرا.
كان من أهم هذه الأجهزة التي ارتسمت على أعمالها علامات الفشل الواضح والفاضح أجهزة الخارجية المصرية والأجهزة الدبلوماسية، إذ تدنى الأداء في محتواه وفي مبناه بل وفي مبتغاه، وبدا الأمر لا يعبّر عن سياسات ثابتة أو واضحة فحسب ولكنها سياسات تتخبط في عناصرها وتتراكم في إخفاقاتها، بدا ذلك واضحاً في خوض كثير من المعارك الوهمية وترك الأمور الحقيقية أو اتخاذ مواقف لا تقوم على قاعدة من الرشد أو من المصالح الحقيقية، ومن المؤسف حقاً أن نرى رأس جهاز الدبلوماسية المصرية وقد اعتبر معركته مع ميكروفون الجزيرة معركة أساسية تصيبه بحالة من الاستنفار غير المبرر فيطرح الميكروفون أرضاً وكأنه يقوم بمعركة دبلوماسية كبرى.
في إطار هذه المعارك المتوهمة والمواقف المبهمة، كان أداء أجهزة الدبلوماسية المصرية يعبّر عن حالة أخطر ما تكون وتشكل بحق حالة استخفاف غير مسبوقة، فلا مواقف مدروسة ولا سياسات تقوم على قاعدة من المصالح ولكنها سياسات في معظمها خبط عشواء أو تعمّد لسلوك الطريق الخطأ بل وارتياد مسالك الخطيئة، وفي إطار سياسة "نفذ ما يملى عليك"، خطايا أساسية ترتكبها الأجهزة الدبلوماسية لا نجد لها من مبرر إلا ضحالة تفكير ووهن مواقف لا تعبّر في مسارها عن أي حالة استراتيجية في صياغة المواقف التي تتعلق بالسياسات الخارجية التي تحفظ المصالح القومية وتحقق مقاصد وغايات الأمن القومي المصري.
تشهد السياسات المصرية في بعدها الخارجي انقلابات في السياسات تنتهك كل الثوابت التي تتعلق بقواعد الأمن القومي ومتطلباته وموجباته، أخطر من ذلك أن تعبث القيادة المصرية ورأس الدبلوماسية المصرية على حد سواء بتلك الثوابت التي تتعلق بالأمن القومي وما يفرضه من اعتبارات، وفي انتهاك فاضح من تلك الأجهزة لثوابت التاريخ والجغرافيا بما يؤشر في واقع الأمر عن جهل مطبق بالحقائق السياسية والتغاضي عن الأصول التي تتعلق بالقيم الإنسانية والأخلاقية، الفشل يتلوه فشل والمواقف السياسية تعبّر عن تناقضات أساسية حتى تفضح بعضها بعضاً، وارتباك سياسي باد للعيان يقوم على رغبات انقلابية بتشييد علاقات خارجية لجلب التأييد والشرعنة للمنظومة الانقلابية.
هذه الحال تعد حالة مثالية للقابلية للابتزاز السياسي، ولكن أجهزة سلطة الأمر الواقع بعد الانقلاب والدبلوماسية المصرية على حد سواء تقوم بكل هذه السياسات على قاعدة فروض الولاء والطاعة، وفي إطار سياسات انبطاحية متواترة لا تراعي المصالح القومية والأمن القومي العربي باعتباره يشكل مجالا حيويا وامتدادا للعمق الاستراتيجي للدولة المصرية، ومن الخطر حقاً أن تحاول الدبلوماسية المصرية وبغشم شديد، باعتماد سياسة اللعب على الأحبال من دون أدنى مهارة وبأداء سياسي متدنٍ، وبمواقف باهتة حيناً وفاضحة حيناً آخر، تخرج عن سياقات المقبول والمعقول، نرى ذلك في تصريحات عدة تقوم بها الأجهزة الدبلوماسية لتعبّر عن مواقف شديدة الخطورة تحاول أن تعتمد مقولة الإرهاب ولا تقيم وزناً لأي اعتبارات دينية أو أخلاقية أو إنسانية، تشكل الحالة السورية في هذا المقام معلماً كاشفاً وفاضحاً لحالة الدبلوماسية المصرية حينما عوّقت اجتماعاتٍ لمتابعة القضية السورية في
مجلس الأمن وصوتت بطريقة مريبة في أجهزة دولية لمصلحة إسرائيل ومن دون مبرر وكان لها على الأقل في التصويت بالامتناع سعة.
وحينما انعقد مجلس الأمن في الأمس القريب وقد عُرض مشروع فرنسي يحاول استدراج تلك الحالة الإنسانية المتفاقمة التي صارت طقسا يوميا يتعلق بالإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة المحرمة وتهديم المنازل على رؤوس أصحابها من أطفال ونساء بما يعبّر عن حالة همجية بربرية غير مسبوقة تشكل بحق المأساة
الحلبية، حلب التي تأن بأهلها وتحاصر جوعاً ويقتل أهلها ليل نهار تحت دعاوى مقاومة الإرهاب، حيث تقوم روسيا وقوات النظام بالعمل البربري معا بالقتل الفاضح المتعمد وقصف معاش الناس وقتل المدنيين بدم بارد ومن فاته القتل المباشر بالصواريخ والبراميل المتفجرة مات بحصار التجويع والترويع وهول الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
هذه هي الحال التي دفعت بعض الدول الغربية والولايات المتحدة بعد انفضاح التواطؤ المريب من قِبلها وبعد مواصلة روسيا الفاجرة ونظام
سوريا الفاشي بكل عمل يتعلق باستهداف الأرواح، الكيان والإنسان والبنيان وكامل العمران، تلك هي الحالة الإنسانية الفادحة والفاضحة في آن التي جعلت بعض الدول الغربية تهرع إلى مجلس الأمن في محاولة لاستدراك بعض المآسي الإنسانية في مشاهد دموية وفي حرب بربرية لا تبقي ولا تذر، ومن هنا كانت الهدنة مطلباً إنسانياً، والمطالبة بحظر جوي أمر حيوي، وكما تقوم روسيا بقصفها الفاضح مستخفة بالنفوس البشرية فإنها تستخف بذات الأمر فتقدم مشروع قرار مناوئ للمشروع الفرنسي في محاولة مركبة لإجهاض أي محاولة لاستدراك الحالة الإنسانية المتفاقمة في مأساة حلب.
امتشقت روسيا حرباً كلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولوّحت بكل عناصر التهديد، وتصور البعض أنها تهدد الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها في الحقيقة لا تفعل فقط، إنها تهدد وتتوعد وتنتقد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومواقفها ثم تمارس طقسها اليومي في القتل الفاضح في وضح النهار بكل مظاهر العيش الإنساني والحياة المدنية في حلب ولا تتورع في غارتها أن تشن العديد منها تجرب الأسلحة الفتاكة ولا تلقي بالاً لمن يسقط من ضحايا، وفي النهاية تبرر كل أفعالها بيافطة ذهبية فتؤكد زورا وتزويرا أنها تقوم بكل ذلك لموجهة مجموعات إرهابية، ولا ندري كم قُتلوا ممن تستهدفهم روسيا من هؤلاء مقارنة بعدد كبير من مدنيين يسقطون كل يوم بالعشرات ولا أحد يحرك ساكناً، وتكون الانتهاكات بشكل يومي وبطريقة بربرية وهمجية.
ومن المؤسف حقاً أن نصل إلى محطة التصويت في مجلس الأمن وأن تقوم الممثلية الدائمة لمصر في الأمم المتحدة ممثلة في المندوب المصري بتصويت متناقض فاضح على مشروعين، مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا ومشروع القرار الذي أيّدت فيه روسيا رغم التناقض الواضح بين المشروعين وما يمثلهما، ولكنها أجهزة الدبلوماسية المصرية الفاشلة تقوم بهذا التصويت المزدوج الذي استغربه القاصي والداني من دول غربية وعربية بينما صوتت دول أخرى مثل ماليزيا والسنغال في مواجهة مشروع القرار الروسي لتؤكد موقفاً إنسانياً لا يمكن التغاضي عنه، إلا أن الدبلوماسية المصرية لم تلق لذلك بالاً ولا للنفوس الإنسانية التي تقع قتلى كل يوم بل كل ساعة اهتماما في هجمات بربرية ووحشية، وبدا هذا الموقف المصري موضع استغراب واستهجان بل واشمئزاز من كثير من الدول، بل ومن بعض الدول التي ساندت انقلابه غير مصدقين هذا التناقض الفاضح في مواقف الدبلوماسية المصرية وفي التعري الفاضح من دون مراعاة لأي مبادئ أو قيم إنسانية.
إنه تصويت العار الذي يعبّر عن تناقض فاضح وعن صياغة مواقف فاشلة تعبّر عن افتقاد تلك الأجهزة والسياسات المتعلقة بها لأي قاعدة أو ميزان ولا اعتبار لأي حقوق أو مبادئ إنسانية، فيقف النظام الغاصب للسلطة في مصر في ذات الخندق مع أجنحة الاستبداد الممثلة في روسيا وإيران والنظام السوري الفاشي وممارسات بشار الجزار، تقف في ذلك الخندق مع تلك النظم لحماية نفس سياساتها الفاشية والقتل بلا حساب من دون أدنى مسئولية أو عقاب، هذا هو تصويت العار الذي افتقدت فيه مصر أي سند أو حجية وأي مكانة أو أُسس تستند لاستراتيجية لسياسة خارجية، وبات كل ذلك عملاً يبرر القتل ويشكل غطاء لإبادة جماعية، إنهم الغاصبون حينما يقفون ضد إرادة الشعوب، فإن احتجوا أو قاوموا أُبيدوا بلا رحمة، إنه قانون الاستبداد والفاشية حينما تسود مواقف مهينة تتمثل في عار التصويت، الذي يخلو من أي أخلاق أو حدود.