انتقل الوضع الوضع الأمني منذ عام 2011 إلى الهشاشة بعد انهيار القبضة الأمنية العنيفة للنظام السابق وفشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في ترتيب الوضع الأمني بشكل يستوعب المستجدات ويضمن الحد الأدنى من الاستقرار.
فبالرغم من الدعم والاهتمام والتركيز من الداخل والخارج على الحاجة لضبط الأمن أولا فقد أخفقت كافة المقاربات في إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية والسبب راجع لفشل صناع القرار في مقاربة نزع السلاح ودمج الثوار وإعادة بناء الجيش والشرطة، بحيث أدى هذا الفشل إلى خلق حالة من حالات الفراغ الأمني، بمعنى أن سياسات السلطات ما بعد فبراير 2011:
- لم تنجح في تحميل الثوار مسؤولية فرض الأمن من خلال تطويرهم ومأسسة وجودهم ودمجهم في المنظومة الأمنية التقليدية
- لم تفلح في إعداة الثقة في الجيش والشرطة وفسح المجال لهما لأداء مهمة ضبط الأوضاع الأمنية ومعالجة كافة العوائق والتي منها عزوف عدد كبير من عناصر الجيش والشرطة عن الالتحاق بوظائفهم.
الجهاز العسكري والأمني ضخم بشكل خيالي، فالتقديرات أن من يتقاضون مرتبات من الخزانة العامة من عناصر الجيش والشرطة يتعدوا 400 ألف عنصر ما بين جندي وضابط صف وضابط، إلا إنك لا ترى لهذا الكم الهائل أثرا حقيقيا. وحتى العلميات العسكرية التي تمت منذ فبراير 2011 وحتى اليوم قامت على مدنيين مع عدد قليل من العسكريين، فوزير دفاع حكومة الوفاق الوطني، المهدي البرعصي، أكد أن من يشاركون في عملية الكرامة من أصحاب الأرقام العسكرية والمنتسبين للقوات المسلحة لا يتعدون 5% من الإجمالي العام.
مع ازدياد حدة الانقسام السياسي وتشكيل حكومتين زاد الوضع الأمني اضطرابا. فالشرق والجنوب يشهدان قتال ضاري ما يتوقف حتى يعود للاشتعال، بينما تواجه المنطقة الغربية مظاهرة مختلفة من الانفلات منها حوداث الخطف والابتزاز.
الاتفاق السياسي قضى بأن يصاحب المسار السياسي مسار أمنيا يكون بمثابة الضمانة لنجاح الاستقرار من خلال احتواء الانفلات الأمني والتمهيد لوضع يسمح باستكمال كافة بنود الاتفاق السياسي.
أُسند ملف الترتيبات الأمنية إلى جنرال إيطالي، والذي بدوره فتح دائرة التواصل لتشمل القوى والأطراف على الأرضي لتسهم بدورها في حفظ الأمن وضمان نجاح الاتفاق.
وكما شهد المسار السياسي تعثرا فقد واجه المسار الأمني مطبات عدة تتعلق بتداعيات الانقسام السياسي الراهن ونتائج الصراع بين عمليتي الكرامة وفجر
ليبيا.
مقاربة الجنرال الإيطالي، باولو سيرا، تقوم على إشراك كافة الأطراف على الأرض في الترتيبات الأمنية، الأمر الذي يصعب البث فيه في ظل الظروف الراهنة. فمشاركة كتائب من الزنتان، على سبيل المثال، أمر غير مقبول من بعض الأطراف الأمنية النافذة في العاصمة، والتي تحتج بأن هذه الكتائب كانت عامل توتير وتم إخراجها بالقوة فكيف نعيدها لطرابلس بعد ان سال الدم، بينما تقوم نظرية سيرا على أن استبعاد أي طرف فاعل يعني أن الاتفاق الأمني هش وقابل للكسر في أي لحظة.
انبثاق المسار الأمني عن اتفاق الصخيرات الذي تتحفظ عليه أطراف عسكرية نافذة، وأيضا سياسة باولو سيرا التي تلبست ببعض الغموض كانت من أسباب فشل الأخير في بناء قاعدة عريضة وقوية للترتيبات الأمنية. واتجه الاهتمام إلى وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق والتي لم تتمكن من تفعيل الأجهزة التابعة لها والمساهمة في تفعيل المسار الأمني. فقد رفض البرلمان حكومة الوفاق بعد تشكيلها وتفويضها بالعمل من قبل المجلس الرئاسي، وتبدأ اليومين القادمين مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة وعين الأطراف النافذة على الداخلية باعتبارها ثاني أهم الوزارات السيادية بعد وزارة الدفاع، وتكتسب الوزارة أهميتها الكبيرة في ظل الاستقطاب الراهن، فالبعض ينظر للداخلية كجهاز موازي ومكافئ للدفاع والمؤسسة العسكرية التي يبدو أن حفتر يقترب من ضمها تحت جناحه، وبالتالي فستضع الأطراف المجابهة له والتي يمكن ان تقبل به في الوفاق عينها على الداخلية لحشد قواتها تحت مظلتها، أي أن الوضع يمكن ان يشهد توترا كبيرا بين الأجهزة الرسمية السيادية في حال تأكد هذا الخيار، ومن هنا تتجلى صعوبة الوضع وتعقيد المشهد.