تحررت
منبج في تموز/ يوليو عام 2012، من سلطة النظام السياسية والعسكرية والأمنية، وسمح لكل من يرتبط بنظام الأسد سياسيا أو عسكريا أو أمنيا، البقاء في المدينة شريطة إنهاء علاقته، فانشق عدد كبير من الجنود والحزبيين والمسؤولين، إلا أن هذه العلاقات عادت بعد سيطرة "قوات
سوريا الديمقراطية" (قسد) على المدينة.
واستمرت عملية إنهاء العلاقات تحت سيطرة تنظيم الدولة، حيث قال الناشط الإعلامي عمر الأحمد من منبج، لـ"
عربي21"، إن "تنظيم الدولة لم يتساهل مع أي عملية ارتباط سياسي وأمني مع النظام، فكان يحكم عليه بالإعدام مباشرة، وربما قتل بالشبهة".
إلا أنه مع سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، في آب/ أغسطس الماضي، على منبج؛ لم تعد صورة رئيس النظام السوري بشار الأسد أو جيشه جريمة، حيث يقول محمود الحسن: "شاهدت أكثر من مرة سيارات لُصق عليها صور لبشار الأسد مرّت على حواجز سوريا الديمقراطية في منبج دون اعتراضه".
وظهر الأمر أكثر وضوحا بزيارة عضو مجلس الشعب إسماعيل الربيع لبلدة أبو قلقل، رغم خضوع البلدة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث قال الطالب الجامعي محمود العلي من ريف منبج الجنوبي لـ"
عربي21" إن "الجميع تفاجأ من الزيارة، ولا سيما أن "قسد" ترفع علم الثورة، فلم نكن نتوقع أن يصل التنسيق إلى هذه الدرجة"، في حين أكد نجل الربيع عودة والده لـ"أبو قلقل".
جنود النظام
من جانب آخر، لم يعد مستغربا مشهد جنود النظام السوري في مدينة منبج بعد أربع سنوات من المنع، فهناك عساكر لم يزوروا مدينتهم منذ أكثر من أربع سنوات، حيث يقول أبو نبيل من سكان منبج لـ"
عربي21": "شاهدت جارنا العسكري نزار العلي الذي لم يزر منبج منذ فترة طويلة يتمشى في شوارعها خلال إجازته بكل أريحية".
ولم يقتصر الأمر على منبج وريفها، حيث يقول الموظف يوسف أبو محمد من ريف حلب الشمالي: "ركبنا سيارة عفرين متوجهين لحلب لقبض رواتبنا، وجلس شاب في الكرسي الأمامي، وعند طلب الهويات من الحاجز أظهر هويته العسكرية للحاجز الكردي، فتركه ولم نستغرب لمعرفتنا حجم التنسيق".
وأشار أبو محمد إلى أن قوات "جيش الثوار" في الريف الشمالي، تمثل المعادل الموضوعي لقوات سوريا الديمقراطية في منبج، ولها حواجز بعد حواجز الكرد، مضيفا بقوله أن "العسكري غمز عنصر الحاجز العسكري وطلب منه إخفاء هويته العسكرية"، مشيرا إلى أنه "أدرك هنا أن ثمة لعبة دولية كبيرة".
ويرى مراقبون أن عدد زيارات جنود النظام لذويهم يبقى محدودا لسببين؛ السبب الأول: قلة من بقي في صفوف النظام، فالغالبية انشق، وبقي من يؤيد النظام عن قناعة، والسبب الثاني: مادي، فالعساكر يصلون جوا لمطار القامشلي ثم يعبرون لمناطق القوات الكردية، حيث يقول محود الحسن إن "نسبة كبيرة من عناصر النظام انشقت عنه، والأمر يحتاج إضافة إلى الواسطة إلى دفع مبالغ مالية كبيرة".
ولا يعتقد أن عدم إعطاء العساكر إجازات يمضونها في منبج خوفا من الانشقاق، حيث يقول عماد حنيضل رئيس المجلس الثوري السبق لمنبج، لـ"
عربي21"، إن "العساكر الذين بقوا للآن لا يرغبون بالانشقاق، فمحال أنه لم تهيأ لهم فرصة للانشقاق خلال ستة أعوام. وبالتالي فهو مع النظام عن "عقيدة"، بالإضافة لتفاهمات واتفاقيات بين النظام و"قوات سوريا الديمقراطية" كما يرى محمود الحسن.
دلالات
ويؤكد ناشطون أن الزيارات لمنبج وعفرين ومرور الزائرين على مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" و"جيش الثوار" اللذين يرفعان علم الثورة لهما أكثر من دلالة، فالدلالة الأولى وفق ما يرى الناشط الإعلامي عمر الأحمد: "ارتهان المقاتلين في جيش سوريا الديمقراطية وجيش الثوار للكرد، وبالتالي عملهم كمرتزقة لهم".
أما السيد عماد، فيرى في الأمر دلالة أخرى، إذ تؤكد الزيارات أن العلاقة وثيقة بين الطرفين أكثر مما "نعتقد.. فقدوم العساكر لمنبج بهذه الأريحية يكشف عن عمق وتجذر العلاقة مع النظام"، بحسب قوله، موضحا أن "العلاقة مفضوحة، فتصرفات الكرد ضد الجيش الحر، ومساهمتهم في حصار حلب والسيطرة على مناطق عربية يوضح ذلك".
ويرى آخرون في الأمر دلالة أكبر من ذلك، فالروس يدعمون "جيش الثوار" في ريف حلب الشمالي، والولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية في الريف الشرقي، حيث يقول محمود الحسن إن "زيارات العساكر تثبت عدم وجود عداء بين قسد وجيش الثوار من جهة وبين نظام الأسد من جهة ثانية، وبالتالي فأمريكا وروسيا معا يدعمان قوات حليفة للأسد، أي يدعمان الأسد".