قفزت معدلات إنتاج النفط وتحول ميزان القوى نسبيا لصالح اللواء المتقاعد (المشير حاليا)
خليفة حفتر بعد أقل من أسبوعين على سيطرة قواته على هلال النفط الليبي الذي خلف قلقا لدى
المعارضة والقوى الغربية المساندة لها.
ويخوض حفتر وأنصاره في شرق
ليبيا على مدى أشهر مواجهة مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، إذ تم منع أي تصويت برلماني في الشرق لمنح الثقة للحكومة مع تحدي الاتفاق الذي تم بوساطة الأمم المتحدة لتوحيد ليبيا.
ولم يتضح بعد كيف سيستغل حفتر وحلفاؤه السيطرة على صادرات البلاد النفطية الضخمة، وهل سيوجهونها لحصد مكاسب سياسية في إطار اتفاق الأمم المتحدة، أم سيوسعون من سيطرتهم العسكرية في أنحاء ليبيا، لكن ما هو واضح هو التهديدات التي يشكلها ذلك على الاستقرار.
وقال دبلوماسي غربي كبير: "أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى دوافع (حفتر) بكثير من الارتياب... أعتقد أن هناك مخاطر جمة على (حكومة الوفاق) والاتفاق السياسي بشكل عام إذا ما تم السماح لهذا الأمر بالانزلاق في الاتجاه الخاطئ".
وفي الوقت الراهن، قد يكون الغرب مجبرا على قبول خطوة حفتر. وبعد إدانة في البداية للهجوم على الموانئ ومطالبة قوات حفتر بالانسحاب انضمت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لدول أخرى أمس الخميس في "الترحيب بنقل إدارة المنشآت النفطية في
الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط وبخطط زيادة الإنتاج والصادرات".
لكن البعض يرى أن هذا الأمر قد يكون فرصة لتحقيق انفراجة بين معسكرين متنافسين يتألف كل منهما من تحالفات هشة أحدهما مع حفتر والآخر ضده.
ويدور الصراع بين المعسكرين منذ 2014، حيث أقام كل منهما مؤسسات متنافسة في شرق وغرب ليبيا مما عمق الاضطرابات التي تعاني منها البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011.
وبعد أن سلمت سريعا قوات حفتر إدارة العمليات في الموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط لم يتعطل عملها لإعادة الإنتاج لمعدلاته إلا لفترة وجيزة بسبب هجوم مضاد تم صده في اليوم ذاته.
وقال مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، إنه يأمل في أن يؤدي التنازل عن السيطرة على الموانئ النفطية إلى مرحلة جديدة من التعاون والتعايش بين الفصائل التي أدى تناحرها على السلطة لوقف أغلب الإنتاج النفطي الليبي.
وخفف حفتر نفسه من لهجته مع صعود نجمه تدريجيا، فيما تخوض القوات التي يسميها الجيش الوطني الليبي بقيادته حربا طويلة ودامية في شرق ليبيا ضد الإسلاميين المتشددين ومعارضين آخرين.
وقال حفتر في تصريحات نشرها "الجيش الوطني الليبي" على الإنترنت إن خطوة الاستيلاء على الموانئ كانت تستهدف حماية الموارد الوطنية وإنهاء حصار أدى لحرمان ليبيا من العائدات وأدى لأزمة مالية. وأضاف أن القوى الغربية يمكنها أن تطمئن تماما إلى أن تلك العملية ليست ضد المصالحة وليس لها أي أهداف سياسية.
وقبل أسبوعين من السيطرة على الموانئ أنهى حليف لحفتر مقاطعته لقيادات حكومة الوفاق الوطني أو المجلس الرئاسي، مقترحا تشكيل مجلس عسكري مشترك كوسيلة لإنهاء أزمة بشأن مستقبل قيادة القوات المسلحة.
ويعمل المجلس في تلك الأثناء لتقديم قائمة جديدة من الوزراء كما طلب حلفاء حفتر في برلمان الشرق. وقال قائد المجلس الرئاسي رئيس الوزراء، فائز السراج، إنه مستعد للقاء حفتر.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن قوات حفتر منهكة بعض الشيء ولا تزال تعاني في تأمين مناطق بمدينة بنغازي في شرق البلاد حيث ظلت تتكبد خسائر ضخمة. وينسب النجاح في السيطرة على الموانئ في أغلبه للمفاوضات القبلية والتوقيت، إذ شنت العملية عشية عيد الأضحى.
التاريخ الطويل للمشير
ولم تطمئن أي من هذه النجاحات خصوم حفتر الذين يرون الحليف القديم للقذافي -الذي قام البرلمان المتمركز في الشرق بترقيته إلى رتبة مشير- حاكما عسكريا مستبدا في مرحلة التكوين.
ويثير تاريخه في السياسة الليبية قلق المراقبين. ونشب خلاف بينه وبين القذافي حين أرسله الأخير لقيادة حرب في تشاد حيث تم أسره وانتهى به المطاف في المنفى بالولايات المتحدة حيث أمضى عشرات السنين في ولاية فرجينيا.
وعاد الرجل للمساعدة في الانتفاضة ضد القذافي، ثم ظهر مجددا في 2014 على التلفزيون مرتديا زيا عسكريا لعرض ما قال إنها خطة لإنقاذ البلاد. وبدأ بعد ذلك عملية ضد المتشددين الإسلاميين وغيرهم في بنغازي.
وحظي حفتر بدعم في الشرق حيث ينظر له البعض على أنه منقذ البلاد، لكنه لم يحظ بعد بدعم كامل. وفي الغرب خاصة في مدينة مصراتة الساحلية يمقته كثيرون ويعتبرونه من بقايا النظام السابق وحاكما مستبدا في المستقبل.
ويشير معارضون إلى إجراءات اتخذت في الآونة الأخيرة لتوسيع السيطرة في الشرق بتعيين عسكريين في مكان رؤساء بلديات والتضييق على المعارضة، ويقولون إنهم بحاجة لحماية ثورة 2011 بالقوة إذا لزم الأمر.
وبعد السيطرة على الموانئ النفطية تقدمت قوات حفتر حتى مسافة 150 كيلومترا من سرت، حيث توشك كتائب منافسة من مصراتة متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني على استكمال حملة لطرد تنظيم الدولة من المدينة.
ويشعر خصوم حفتر بالخوف من احتمال أن يكون حلفاؤه في الغرب يستعدون للزحف إلى طرابلس.
وأصدر رئيس مجلس الدولة -وهي هيئة استشارية شكلت في طرابلس بموجب اتفاق الأمم المتحدة- الأربعاء، بيانا أدان فيه تحرك حفتر بشأن الموانئ وتوليه السلطة التشريعية من البرلمان الموجود في الشرق.
وناشد البيان "كل شرفاء ليبيا وثوارها" مقاومة ما وصفه "بالانقلاب العسكري" لحفتر.
ودعا البيان أيضا وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني، وهو من خصوم حفتر، إلى تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة (الحكومة) خاصة العاصمة، والرد بحزم على أي محاولة لتقويض الأمن والاستقرار.
لكن في ظل الانقسام بين فصائل مصراتة واستمرار معاناة حكومة الوفاق الوطني لبسط سلطتها على الجماعات المسلحة التي تسيطر على العاصمة فربما تكون فرصتها محدودة للرد.
وقال مصدر دبلوماسي من شمال أفريقيا: "لا أعتقد أن المجلس الرئاسي لديه الكثير من البدائل أو يملك هامشا كبيرا للمناورة".
وأضاف قائلا: "يبدو لي أنهم في وضع يفرض عليهم التحرك من أجل حل سلمي عبر المفاوضات يقبله الشعب الذي نفد صبره تماما... ما لم يحدث ذلك، فإن أي تحرك مضاد سيزيد من شعبية الطرف الآخر".