نشرت مجلة جون أفريك الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على تشكيلة الحكومة
التونسية الجديدة التي قالت إنها لم تنبع عن قرارات تشاركية أو توافقية، وإنما كانت نتيجة لتعليمات صادرة عن السلطة العليا في البلاد، وفق قولها.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن اختيارات رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد
السبسي، فيما يتعلق بالحكومة المسماة حديثا، كانت حاسمة. وقد كشف رئيس الحكومة،
يوسف الشاهد، عن الخطوط العريضة لفريقه الحكومي في مساء يوم 20 آب/ أغسطس، بعد 17 يوما من المحادثات والمفاوضات المكثفة. وقالت إن تشكيل حكومة وطنية تضم كفاءات تنتمي إلى فصائل سياسية مختلفة يعتبر معادلة معقدة، إن لم تكن مستحيلة.
وذكرت المجلة أن مهمة الشاهد تمثلت في إرضاء الحزبين الرئيسيين في تونس في البرلمان، وهما نداء تونس، الحزب الذي ينتمي إليه الشاهد، وحركة
النهضة، التي بلغ عدد ممثليها في مجلس النواب 69 نائبا. كما كان عليه إشراك حلفائه في الائتلاف السابق، والليبراليين، والاتحاد الوطني الحر الذي يقوده رجل الأعمال سليم الرياحي، وصولا إلى اليسار الديمقراطي، مع محاولة ضم ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل وكفاءات أخرى جديدة. وإلى كل هذا تُضاف ضرورة تجديد و"تأنيث" الحكومة، مع الحرص على ألا تكون التسميات رهينة للمحاصصات الحزبية.
إلا أن سياسة الأمر الواقع التي لم تأخذ بعين الاعتبار كل هذه المطالب تسببت في إثارة انتقادات عديدة.
وشددت المجلة على أن التسميات كانت في صالح حركة النهضة، التي لم تكن لها سوى وزارة واحدة في الحكومة السابقة، إلا أن حصتها صارت ستة مناصب عليا وهي ثلاث وزارات وثلاث أمانات للدولة. ومع ذلك، فقد عبر مجلس الشورى، الهيئة العليا لصنع القرارات، عن تحفظاته تجاه قائمة أعضاء حكومة الشاهد.
وبينت المجلة أن وجوها سياسية في هذه القائمة لا تروق للنهضة، منها اليساري سمير بالطيب، الذي عين وزيرا للزراعة، والمعروف بانتقاداته اللاذعة لجماعة الإخوان المسلمين، ومجدولين الشارني، شقيقة سقراط الشارني الذي قتل في جبل الشعانبي، والنقابي السابق عبيد البريكي. ومع ذلك، كان على حركة النهضة التصويت على هذه الأسماء ومنحها الثقة.
ويلاحظ خبير اقتصادي أنه "حتى إن لم يتمكن هذا الحزب من الحصول على حقائب وزارية سيادية، وحتى إن لم يتمكن من انتزاع وزارات الزراعة والصحة والتعليم، فإنه لا يحق للإسلاميين التعبير عن غضبهم من هذه التشكيلة. فبين وزارة الصناعة والتجارة، التي كلف بها زياد العذاري، ووزارة تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي، التي يتصدرها أنور معروف، ستمارس النهضة الرقابة على القطاعات التي تسهم في ما يقرب من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الرسمي لتونس".
وشددت المجلة على أن السبسي هو المسؤول الأول عن تعيين يوسف الشاهد، وعن كل هذه المناورات السياسية. وقد عمل الرجلان في توافق تام. إذ إن رغبة رئيس الدولة كانت تتمثل في العودة إلى محور اللعبة السياسية عن طريق تغيير الحكومة، وقد نجح في ذلك.
ويقول الصحفي منصف غوجة: "إن رئيس الجمهورية، بهذه الطريقة، قد حطم كامل الطبقة السياسية ولم يول أي اهتمام إلى خصومه".
ولفتت المجلة إلى أن التشكيلة الجديدة همشت سليم الرياحي، وتسبب ذلك في احتقان أعضاء "آفاق تونس"، حتى إن الجبهة الشعبية، حزب المعارضة اليساري المتطرف، كان على وشك الانفجار. واستغل السبسي الصراع الداخلي في الاتحاد العام التونسي للشغل وفي النهضة، بمهارة، وتمكن من تهدئة "الحماس الفوضوي" لابنه.
على المستوى السياسي، كانت المناورة فعالة ومتقنة. فقد سُمي غازي عمر منصور الجريبي على رأس وزارة العدل. ويُعتبر هذا التعيين خيارا قويا، ذلك أنه يوحي بأن الشاهد يعطي الأولوية لإعادة توحيد الدولة، وتأكيد سلطتها من جديد ومكافحة الفساد. كما أن الجريبي، الذي ترأس المحكمة الإدارية بين عامي 2007 و2011، عرف بنزاهته وببعده عن كل قضايا الفساد، الأمر الذي يشهد له به الجميع.
أما على المستوى الاقتصادي، الأولوية الثانية للعمل الحكومي، فإن الوضع يثير تساؤلات عديدة. فقد مثلت لمياء الزريبي، وزيرة المالية الجديدة، واحدة من المفاجآت التي تقدم بها الشاهد. ورفض مروان العباسي، وهو خبير من البنك الدولي، تولي زمام هذه الوزارة بعدما راجت تسريبات حول تسميته على رأس المنصب. وقال إن هذا المنصب لن يمكنه من القيام بإجراءات وإصلاحات عميقة وفعالة. وهكذا، ستكون الزريبي، وهي من التكنوقراط ولم تعرف على الساحة السياسية من قبل، أول امرأة عربية تتحمل مثل هذه المسؤولية.
وتساءلت المجلة عما إذا كانت هذه الوزيرة ستنجح في الحد من أزمة المالية العامة التي تشهدها تونس على مدى السنوات الأخيرة، وهل ستستطيع بمساعدة فاضل عبد الكافي (وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي) استعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب. أسئلة ستبدأ الأسابيع القليلة القادمة بالكشف عن أجوبتها، كما تقول المجلة.