نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا تحدثت فيه عن الخطة
الاقتصادية الجديدة التي يتم اعتمادها في
السعودية. وتشمل هذه الخطة سياسة
التقشف التي تهدف للحد من الاعتماد على عائدات النفط، وقد فرضت هذه السياسة عديد الضغوط على الأمير محمد وعلى المملكة ككل.
وتحدثت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، عن فهد بن رجا، وهو رجل سعودي يعمل تاجر سيارات في الرياض، الذي يجد صعوبة في تغطية نفقاته هذه الفترة. أما سعيد، وهو مواطن سعودي آخر يبلغ من العمر 63 سنة، وجد نفسه مضطرا لدفع 2000 ريال سعودي إيجار شهري (560 دولار)، لكنه يدفعها عن طريق التأمين الاجتماعي. وبالتالي لا يتبقى له أي أموال لإعالة زوجته وأبنائه التسعة. ويعمل سعيد سائق تاكسي وتقوم زوجته ببيع العطور. ويقول سعيد إن ارتفاع فواتير الوقود جعل كسب المال أمرا صعبا للغاية.
وذكرت الصحيفة أن السعوديين يشعرون بالضغط جراء خطة الحكومة في كبح جماح الإنفاق وتقليل الاعتماد على صادرات النفط، خاصة بعد تراجع عائداته منذ سنتين. وكان ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الذي وضع خطة التقشف، قد أعلن أنه سيتم التخفيض من الأجور في القطاع العام، كما سيتم الترفيع من رسوم التأشيرة.
لكن يجب التذكير بأن التقشف في السعودية لا يزال مصطلحا نسبيا. فعلى الرغم من التقشف تبقى مساعدات الحكومة سخية، وتبقى أسعار البنزين منخفضة مقارنة بالمعايير الدولية. لكن التحول الذي اعتمدته السعودية كان تغييرا جذريا أقرته عائلة حاكمة لا تعطي مواطنيها أي فرصة لإبداء رأيهم في الشؤون العامة للبلاد. بدلا عن ذلك تقوم الحكومة السعودية بمنحهم مساعدات في مقابل كسب ولائهم.
في هذا السياق، نقلت الصحيفة ما قاله بروس ريدل، وهو باحث في معهد بروكينغز قضى 30 عاما في وكالة الاستخبارات المركزية، حيث قال إن "الخطر يكمن في كون هذه المجموعة من الإصلاحات لن تنجح في الحد من اعتماد السعودية على عائدات النفط، وبالتالي لن تكون المملكة قادرة على الحد من أسعار النفط، الأمر الذي من شأنه أن يخلق عدم استقرار".
وقد شهد الإنفاق العام الاستهلاكي انخفاضا ملحوظا بسبب سياسة التقشف، ومن المتوقع أن ينخفض إلى ما بين 2 و3 في المائة في سنة 2017 و2018 وذلك وفقا "لكابيتال إيكونوميكس" البريطانية. هذا بالإضافة إلى انخفاض الواردات من الاتحاد الأوروبي بنحو 10 في المائة وانخفاض السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي وذلك وفقا لبيانات البنك المركزي السعودي.
وقد أكد فهد بن رجا أنه يشكو من قلة عدد الحرفاء ومن انخفاض الأسعار، حيث أن سعر البيع انخفض بنسبة 34 في المائة في الستة أشهر الماضية. وقال إن "الوضع الاقتصادي أصبح متدهورا"، وأشار إلى الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مؤكدا أنها ليست إلا عبئا اقتصاديا كبيرا على المملكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد الواحد ارتفع من 29500 دولار في عام 1990 إلى 53624 دولارا في العام الماضي، وفقا بيانات صندوق النقد الدولي. وغيرت عائدات النفط عديد المدن السعودية، فظهرت مراكز التسوق بمتاجرها التي تعرض الماركات العالمية الفاخرة مثل "هوجو بوس" و"لويس فويتون". وبعد السياسات الجديدة لولي ولي العهد، الذي يبلغ من العمر 33 سنة، فإنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5 في المائة وذلك وفقا لبيانات بلومبورغ.
وتعتبر هذه النسبة أبطأ وتيرة للاقتصاد السعودي منذ أكثر من عقد، مع استثناء أزمة سنة 2009. وقد تكون النسب أسوأ من ذلك لو لم يكن للسعودية احتياطيات كبيرة.
وأفادت الصحيفة أن السعودية كانت قد أنفقت حوالي 175 مليار دولار من الأصول الأجنبية للبنك المركزي منذ أن بلغت 737 مليار دولار سنة 2014. واستغلت الحكومة السعودية مبلغ الـ 175 مليار دولار لتمويل عجز الموازنة الذي بلغ 16 في المائة من الناتج الاقتصادي. وفي الواقع، كان انخفاض احتياطي النقد الأجنبي هو ما دفع ولي ولي العهد للبدء في تنفيذ خطته الاقتصادية.
وأضافت الصحيفة أن برنامج التحول الوطني يسعى لتخفيض الأجور العامة بحوالي 40 في المائة من إجمالي الإنفاق. ويشمل البرنامج عناصر أخرى مثل بيع الأسهم في الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك شركة النفط العملاقة "أرامكو". كما سيتم وضع عدد كبير من القوانين التي قد تقيد عمل الشركات الخاصة.
وأفادت الصحيفة بأن عديد الشكوك تحوم حول هذا البرنامج، ليس فقط في الخارج. فقد عبر رجال أعمال سعوديين عن تخوفهم من نتيجة هذه الخطة الجديدة. وإن انتشرت هذه المخاوف أكثر فأكثر فإن ذلك سيسبب مشاكل للأمير محمد الذي يشغل منصب وزير للدفاع، مما يجعله المسؤول عن الحرب ضد الشيعة في اليمن.
وقد يؤدي فشل خطته الاقتصادية إلى إثارة ردود فعل غاضبة وقد يمس ذلك من صورته بين صفوف الشعب السعودي وأيضا داخل العائلة الحاكمة. كما أن الشباب السعودي هو من سيقيم الخطة الاقتصادية للأمير. ذلك أن ما يقارب 60 في المائة من السعوديون يبلغون 30 سنة أو أقل.