تسود جنوب
سوريا منذ ما يزيد على السنة حالةٌ من شبه الهدوء على الجبهات بين فصائل المعارضة وبين النّظام، استطاعت فصائل المعارضة قبل ذلك تحرير مساحات واسعة في محافظتي درعا والقنيطرة، وتكبيد النظام خسائر فادحة في هذه المنطقة التي يوجد فيها ثلث جيش النظام، لكنّ هذه الفصائل لم تستطع أن تمتدّ شمالاً بحيث تشكّل تهديداً حقيقياً للنظام قرب العاصمة دمشق، أمّا النّظام فقد بقي محتفظاً بمراكز مهمة مترابطة حتى دمشق (درعا المحطة، إزرع، الصّنمين، غباغب، دمشق).
حتى نفهم حقيقة مستقبل الجنوب السّوري (درعا والقنيطرة) ينبغي أن يُسلّط الضوء بشكل أكبر على خارطة الواقع والقوى الفاعلة على الأرض، وربّما يكون الحديث عن تحرّك الجبهة الجنوبية ضدّ النّظام في الأيام المقبلة هو الأمر الأسهل، وهو الأمر الذي تعمل عليه وتعدّ له بعض الفصائل المنتشرة غرب حوران وضمن القنيطرة. لكنّ الحديث عمّا هو أبعد من هذا التحرّك ومقدار التغيير الذي سيحدثه على الأرض هو الأمر الأهم والذي يمكن من خلاله أن نفهم استراتيجية الأطراف التي تتدخل في الجنوب بشكل مباشر أو غير مباشر لرسم خارطة الجنوب بشكل يتوافق مستقبلاً مع أجنداتها وإراداتها.
نستطيع بقراءة سريعة أن نعدّ أطرافاً ثلاثةً رئيسة تتدخل في الجنوب السّوري وتساهم في رسم خارطته ومستقبله:
أولاً: النظام وحلفاؤه
ثانياً: الأردن والدول المشتركة معه في غرفة الموك
ثالثاً: إسرائيل
كلّ جهة من هذه الجهات تتدخل في الجنوب السّوري من خلال حدودها معه ووجودها فيه، وبناءً على استراتيجية هذه الجهات تُفتَح الحدود أو تُغلَق، ويحدَّد حجم الوجود الفعليّ في الجنوب.
يتمثّل وجود النظام من خلال وجود فعلي عسكري في بعض المدن، وكذلك القطع العسكريّة التي لا يزال يحتفظ بها، وكذلك من خلال أتباع له ولجان مصالحات وعرّابيها في المناطق المحرّرة، ويتمثّل وجود الأردن والدول المشتركة في غرفة الموك من خلال الفصائل المسلّحة التّابعة لهذه الغرفة بشكلٍ أساسي، ومن خلال منظّمات أخرى، أما إسرائيل فلقد عملت على بناء علاقات مع بعض الفصائل الموجودة بالقرب من الجولان المحتلّ من خلال الدّعم الإغاثيّ والطّبي وربّما بالعتاد، إضافة إلى مراقبة ومسح دقيقين للمنطقة بشكلٍ كامل، وأحياناً بالتدخل المباشر عسكرياً.
وبناءً على ذلك: تُرى هل سيكون الجنوب السّوري جزءاً من دويلة النّظام ضمن حلّ فدرالي أو غيره لسورية، أم سيكون جزءاً من الأردن الكبير، أم سيكون حديقةً خلفيةً تُشكّل امتداداً لحديقة السّلام في الجولان؟
هذه أسئلة -لا شك- مجرّد طرحها مؤلم لأهل الجنوب بل لكل السّوريين، لكنّ ممارسات وسلوك الأطراف المتدخّلة في الجنوب يدلّ على أنها عملت على إضعاف هذا الجزء من سوريا، وتدمير طاقاته البشريّة من خلال إطالة أمد الصّراع بين النّظام وبين فصائل المعارضة، وعدم التمكين من حسمه، ومن خلال الصّراع بين بعض فصائل الجيش الحرّ وبين الفصائل المتّهمة بمبايعة ما يسمى تنظيم الدولة في المنطقة الغربية، وكذلك عدم التّمكين من حسمه.
إنّ ظاهرة الاغتيالات للقادة والطّاقات والعقول في الفترة الماضية كانت جزءاً من مخطّط إضعاف الجنوب السوري، وكذلك حرب التّعطيش والتّجويع والتّجهيل.
إن السؤال الذي يتردد اليوم كثيراً على ألسنة السوريين في حلب وإدلب وحمص و... (لماذا يصمت الجنوب السوري، وحتى متى؟) هو سؤال مهم ومحق، وقد يكون فيما أشرتُ إليه سابقاً بعض من الجواب، وقد يرون قريباً أيضاً فتحاً لتلك الجبهة يجعلهم يثقون أن الجنوب السوري لم يخرج بعد من الثّورة التي بدأت فيه، ولكنّ السؤال الأهم والأخطر:
إلى أين يمضي الجنوب السوري وما هو موقعه في الخارطة المستقبلية السورية وللإقليم ككل، وماذا نحن فاعلون من أجل أن يبقى الجنوب جزءاً من سوريا لا ينفكّ عنها ولا يُسلَب منها، وماذا يمكن أن نقدّم للشريحة الأوسع من أهل الجنوب التي لا تزال رغم كل الممارسات ترفض حالاً ومقالاً كل السّناريوهات التي تفصلهم عن عمقهم السوري أو تبعدهم عنه!؟