ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن الخلافات بين الفصائل الليبية، التي تقاتل لاستعادة مدينة
سرت من قبضة
تنظيم الدولة، تقف عقبة أمام عودة الاستقرار.
وتقول إريكا سولومون في تقرير لها من بيروت، إن القوات المتقدمة نحو معاقل المقاتلين في سرت، زعمت أنها اقتربت من تأمين المدينة، وإعلان النصر في معركة تعد مهمة في القتال ضد الجماعات الجهادية، مشيرة إلى أن العمل الجاد للحكومة الضعيفة في
ليبيا يأتي بعد المعركة، ويقتضي السيطرة على الفوضى، ومنع العنف الذي يعاني منه هذا البلد، منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011.
وتضيف الكاتبة أن "سرت، مسقط رأس القذافي، كانت أهم معقل لتنظيم الدولة خارج حدود ما تطلق على نفسها (الخلافة) في كل من العراق وسوريا، واستطاع المقاتلون الليبيون، بدعم جوي أمريكي، طرد الجهاديين من مركز المدينة، ويتقدمون نحو آخر حي لا يزال في يد التنظيم، الذي سيطر على المدينة العام الماضي، مستفيدا من الفوضى والعنف، اللذين تعيشهما البلاد منذ الثورة التي أطاحت بالقذافي".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن خسارة التنظيم سرت ستكون ضربة قوية له، خاصة بعد خسارته مدنا وبلدات في العراق وسوريا، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تم فيه طرد الجهاديين من سرت، فإنه تم تسييس المعركة في بلد تعمل فيه حكومات متنافسة، وعدد كبير من الفصائل المسلحة، وقبائل لدى كل منها طموحات لتحقيق النفوذ.
وتشير الصحيفة إلى أن هناك مناوشات بين الفصائل عادت للظهور على السطح، بعد تقدم القوات التابعة للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة نحو سرت، لافتة إلى قول الخبيرة في الشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل كلوديا كازيني: "لن يساعد النصر في سرت على حل مشكلة الانقسامات العسكرية والسياسية في البلد"، وتضيف: "لو ترك الأمر على حاله، فإن الوضع سيتدهور أكثر".
وتلفت سولومون إلى أن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة حاولت بسط نفوذها على البلاد، لكنها ووجهت برفض فصائل قوية، بينها الجنرال السابق خليفة
حفتر، الذي يقود الجيش الليبي في الشرق، مشيرة إلى أن المعركة على سرت كشفت عن حجم المظالم والتوتر، الذي يحمله كل طرف ضد الآخر.
ويفيد التقرير بأن معظم عمليات استعادة سرت تقودها قوات تابعة لمليشيا
مصراتة، التي تحولت إلى دولة، وتتوقع هذه المليشيا أن تحظى بحصة كبيرة من السلطة، بعد المعركة التي خسرت فيها كثيرا من رجالها، وتحملت فيها عبئا كبيرا، مقابل تقديم الدعم لحكومة الوفاق الوطني.
وتستدرك الصحيفة بأنه في الشرق، تنظر القوات الموالية لحفتر إلى الدور القيادي الذي يقوم به مقاتلو مصراتة، على أنه خدعة لتوسيع النفوذ، وتتهم قوات حفتر المصراتيين بالسماح لتنظيم الدولة بدخول سرت في المرة الأولى.
وتنقل الكاتبة عن المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتيا تاولدو، قوله إنه في حالة إزالة التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة، فإنه "سيتم التخلص من حاجز كبير للاقتتال"، مشيرا إلى أن الاحتراب بين الفصائل المختلفة جار بين القوات المدعومة من حكومة طرابلس وتلك التابعة لحفتر، التي تقوم بالهجوم على حقول النفط، وتساءل تاولدو قائلا: "سؤال المليون دولار هو: من سيسيطر على حقول النفط؟".
وينوه التقرير إلى أن قوات حفتر عبرت عن نيتها الدخول إلى مناطق تصدير النفط في زويتنة والسدر وراس لانوف شرق البلاد، التي تقوم بحراستها مليشيات موالية للحكومة، لافتا إلى أن وكالة أنباء "رويترز" نقلت عن رئيس أركان قوات حفتر عبد الرزاق النزهوري، قوله، "إن دخولنا إلى الموانئ هو من أجل حمايتها لا احتلالها، ولا لنكون بديلا عن المرتزقة واللصوص الذين سبقونا".
وتورد الصحيفة أن محللين يرون أن الهدف الاستراتيجي وراء الهجوم على منابع النفط ،هو منع خطة الحكومة الليبية، القاضية بإنعاش القطاع النفطي، والعودة إلى تصديره؛ لكونه المورد الرئيسي للدخل.
ويعلق تاولدو قائلا إن التصدير يتراوح من صفر إلى 300 ألف برميل في اليوم، مقارنة بـ 900 ألف برميل كانت ليبيا تصدرها في اليوم قبل أن تنقسم إلى حكومتين عام 2014، ويضيف تاولدو: "لست متأكدا إن كان (حفتر) يستطيع السيطرة عليها، ولكنك بحاجة إلى تفجير واحد في الموانئ لتخبر شركات التأمين والشحن بالابتعاد عنها"، بحسب الصحيفة.
وبحسب سولومون، فإن المسؤولين الأمريكيين قدروا عدد مقاتلي تنظيم الدولة في ليبيا بما بين أربعة إلى ستة آلاف، ومعظمهم من المقاتلين الأجانب، منوهة إلى أنه حتى لو خرج التنظيم من سرت، فإن التهديد الجهادي سيظل قائما، حيث إنه من المعروف عن التنظيم أنه يقوم بهجمات كبيرة بعد خسارته العسكرية، وقد يحاول فعل الشيء ذاته في سرت.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مقاتلي تنظيم الدولة بدأوا بالتوزع في أنحاء مختلفة من ليبيا، وباتجاه الحدود الجنوبية مع النيجر والجزائر، بالإضافة إلى الجارة تونس، ويعتقد أن البعض منهم بدأ بالتسلل إلى السودان.