لا ينسى العالم -لا سيما الأمريكيون- قضية حظر النفط الشهيرة، إبان حرب 73، ضد الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ونتيجة لهذا؛ فإن سعر السوق للنفط ارتفع بشكل كبير على الفور.
وبما أن معظم الاقتصاديات الصناعية تعتمد على النفط الخام، وبما أن منطقة الشرق الأوسط هي المسيطرة على نفط العالم، فقد شكل تدفق الأموال جراء هذا الارتفاع تكوين ثروات واسعة في الدول المنتجة. وكان سلاح النفط موضع مناورة حقيقية في المنطقة. وكان أي حدث بسيط، حتى وقت قريب، قد يؤثر في أسعار النفط في البورصات العالمية. حتى تصريح واحد قد يؤدي إلى استنفار.
وإن كان مطمئنا بعض الشيء أن النفط سيستمر في كونه موضع قوة وهيمنة حتى عقد أو عقدين من الزمان، إلا أن سلاح النفط لم يعد مناورة حقيقية بالنسبة لدول المنطقة. ولم تعد الأحداث تؤثر فعليا لا في أسعار النفط ولا قلق العالم، ولا كذلك العوامل الجيوسياسية كما السابق والاضطرابات السياسية في دول المنطقة المنتجة للنفط أو دول الترانزيت التي يمر من خلالها النفط كدول عبور، مثالا على ذلك الانقلاب الفاشل في تركيا، وهي دولة في موقع استراتيجي يمر من خلالها النفط والغاز.
العمليات الإرهابية المتكررة في المنطقة والخطر المتنامي من ذلك في الدول المنتجة في المنطقة أيضا لم تعد تؤثر في أسعار النفط بأي ارتفاع. وهذا مؤشر لافت يذكرنا بنظرية ذروة إنتاج النفط Peak Oil. لكن وللمفارقة، النفط لم ينضب، بل تزايد إنتاجه بشكل كبير في دول جديدة وبدائل جديدة أيضا، ما يعني تراجع الهيمنة التي تصدرتها دول الشرق الأوسط.
وإن كان الوجود العسكري الأمريكي هو لحماية معابر النفط بطبيعة الحال، فإن الأهم هو أن تراجع اعتماد الولايات المتحدة الرئيس على نفط الشرق الأوسط كما تحررها من عائق الطاقة، يعني بالتالي أنها أكثر قدرة على تطبيق سياسة الضغط، وليس العكس وذلك مقابل تمرير وإحداث تغييرات ضمن سياساتها ومصالحها.
جملة الأسباب المتعلقة بالنفط، لا سيما الجيوسياسية منها، لها تأثير مباشر في سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ليس في ظل الإدارة الحالية، بل في ظل أي إدارة أمريكية.
انحسار دور النفط الرئيس في المنطقة هو عامل عدم استقرار. وذلك يعني أن أي مؤشر لتراجع الدور الأمريكي هو تمادي الدول المعادية في المنطقة في أعمالها، ومن ثم زعزعة الأمن. بطبيعة الحال، تتواءم تقلبات أسعار النفط ووفرة العرض وتطور الابتكارات التكنولوجية.
والمعادلة المهمة في هذه المعمعة هي ارتفاع معدل إنتاج النفط كما في تطور مجال كفاءة الطاقة، مع تطور التكنولوجيا مقارنة بالسابق، زيادة على ذلك الاهتمام البيئي في دول العالم لتحل بدل ذلك الطاقة النظيفة كخيار جديد. كل ذلك إضافة إلى الدول الجديدة التي ظهرت على خريطة الإنتاج النفطي، من ذلك أمريكا نفسها بنفطها الصخري الذي جعلها تنتج نسبة أكبر من نفطها الخاص وتستهلك نسبة أقل نسبيا.
لكن النفط ليس سببا وحيدا في تعامل الولايات المتحدة التاريخي مع المنطقة، فالمنطقة لها تأثيرات مباشرة في استقرار العالم، والعكس، ومن ذلك الولايات المتحدة نفسها. هي المنطقة المملوءة بالحلفاء والخصوم في آن معا.