نشرت صحيفة "سلايت" الفرنسية تقريرا تحدّثت فيه عن محتوى العدد الأخير للمجلة الرسمية التابعة لتنظيم الدولة "
دابق". كما بينت، أيضا، أن دعاية هذا التنظيم صارت موجهة نحو الطبقة الغربية المثقفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن قراءة المنشورات الدعوية الجهادية صارت تثير اهتماما شعبيا. فمجلة "دابق" تكتب وتحرر بعناية فائقة. وقد كشف العدد الخامس عشر من هذه المجلة، الذي صدر حديثا، عن جوانب فكرية وثقافية لم تظهر سابقا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه إضافة إلى صور الذبح والاعتداءات الدموية، زخر العدد الأخير من هذه المجلة بالمراجع الثقافية وذكر بالخلافات اللاهوتية؛ ما يؤكد أن التنظيم لا يهدف إلى التواصل مع مؤيديه، وإنما يستهدف مجموعة جديدة، وهي النخبة المثقفة الغربية.
ولوحظ في هذا العدد الجديد أن التنظيم ركَز على استعمال اسم "الله" واعتبار هذه المفردة التسمية الوحيدة الصحيحة للخالق. ولتبرير ذلك، أورد التنظيم "أن اسم الله مستمد من "الإله" الذي يعني، في اللغة العربية، ما يجب أن نعبد. كما أن جذور هذه التسمية مشابهة لاسم "الخالق" في كل اللغات السامية، بما في ذلك اللغة العبرية التي نطق بها أنبياء إسرائيل".
وواصل التنظيم تفسيره الذي نشره في مجلة "دابق" قائلا: "في العبرية، ندعو الله ونسأله باسم "إلوهيم"، وهو ما يتوافق مع مفردة "اللهم" عند العرب. فنستنتج إذن أن اللغتين تستعملان الجذر نفسه، أما التغييرات الطفيفة المفروضة على الكلمتين فما هما إلا تعزيز لخشوع ولخضوع المصلي لخالقه".
ثم بينت الصحيفة أن التنظيم، بعد أن أدلى بهذه الملاحظات الاشتقاقية والنحوية، خصص تقريرا كاملا للحديث عن كبار المثقفين الغربيين الذين عرفوا بإضافاتهم للحضارة الإنسانية جمعاء.
فقد ذكر في هذا التقرير أن "تعاليم داروين وماركس ونيتشه، دوركايم، ويبر وفرويد قد انتشرت في المجتمع الغربي من خلال النظامين التعليمي والإعلامي الهادفين إلى إنتاج أجيال بعيدة كل البعد عن الدين وقلوبها خالية من الإيمان".
لذلك يبدو أن صاحب هذا التقرير يهاجم "نظرية التطور الداروينية"، و"المادية التاريخية" لماركس، والإلحاد المتشدد لنيتشه، وتحليل بنية الأسرة لدوركهايم، وأهمية الجنس في العلاقات الإنسانية لمؤسس التحليل النفسي فرويد.
وذهبت مجلة "دابق" إلى أبعد من ذلك، حين شككت في الدين المسيحي. ومن الملفت للنظر أن العنوان الذي اختارته للتقرير هو "فليكسر الصليب"، هو العنوان ذاته التي تم اختياره للعدد الجديد لـ"دابق"، ما يؤكد على محورية الرسالة التي يتضمنها.
وقد عمل التنظيم من خلال ذلك على دحض النقاط الرئيسية للمسيحية وحاول إثبات طابعها الوثني. وعاد المؤلف إلى التذكير بتاريخ نزول الإنجيل، وكتب أنه "يقال إن إنجيل لوقا، الذي يسرد حياة المسيح، مماته وقيامه، قد كتب من قبل اليوناني الذي كان تلميذا لبولس، وليس ليسوع".
وذكر أيضا أن تقسيم الوحدة الإلهية بين ثلاثة أشخاص؛ الأب والابن والروح القدس، يجعل الإنسان تائها لا يدري بمن يتعلق تحديدا.
واستنتجت الصحيفة الفرنسية، في هذا المستوى، أن الدقة التاريخية وطبيعة الحجج وطابعها العلمي يتناقض مع الإثارة الدموية والأسلوب الاستفزازي اللذين رافقا الأعداد السابقة من هذه المجلة.
وتجدر الملاحظة إلى أن منشورات "دابق"، لا تلجأ إلى الدين إلا لتبرير نشاطات وعمليات التنظيم، من خلال الاستناد إلى قراءاته الخاصة لآيات من القرآن الكريم أو للحديث الشريف. إلا أن نسخة المجلة الأخيرة كشفت عن ميل واضح إلى تعقيد فكري خادع ومثير للدهشة في آن واحد، كما تقول الصحيفة الفرنسية.
وعلق ريجيس لو سوميي، نائب مدير مكتب باريس لمجلة "باري ماتش" ومؤلف كتاب "
تنظيم الدولة والتاريخ": "لطالما عرفت مجلة "دابق" التابعة لتنظيم الدولة بخطابها السحري والنبوي، لكن بعد نشر عددها الأخير تأكدنا من أنها تكتب بقلم مختص ماهر في العلوم اللاهوتية".
وأضافت الصحيفة: "إنه لأمر غريب أن دعاية التنظيم لا تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من التابعين، إذ إن كل هذه الإشارات لا تعكس رغبة في التأثير على المراهقين، أو على الشباب الذين يعانون من هشاشة وضعف في الشخصية، بقدر ما تتوجه إلى الشباب المثقف المتحصل على شهادات جامعية".
ووفقا لريجيس لو سوميي، فإن "العدد الأخير من مجلة "دابق" موجه حقا للشباب المثقف. ولكن حذار، فهذه المجلة تعكس بعضا من الفكر المتطرف لهذه المنظمة
الإرهابية ولكنها ليست، بالضرورة، أداة لحشد المناصرين. فأكبر نسبة من المجندين تأثروا بالفيديوهات التي ينشرها التنظيم والتي كانت سببا لالتحاقهم به".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه يبدو أن قسم الفيديو التابع للتنظيم، الذي يقوم بتصوير وبث العمليات والصور والخطب منذ إعلان "الخلافة"؛ يعيش أزمة حاليا، ربما تكون ناجمة عن الخسائر الميدانية التي تكبدها في الفترة الأخيرة في كل من سوريا والعراق.