"لسنا صحافيين، لكن الواقع أجبرنا للحديث عن معاناة أهلنا"، هذا ما كتبه أحد المساهمين في موقع "أخبار
سيناء 24"، وهو موقع هواة على صفحة "فيسبوك"، وخُصص للحديث عن الحرب المنسية في شبه جزيرة سيناء..
وتعلق هبة عفيفي في تقرير نشره موقع "مدى
مصر"، ونشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، قائلة: "في المنطقة الحدودية الاستراتيجية، التي تشهد حربا شرسة، دخلت عامها الثالث بين الجماعات المسلحة والقوات المسلحة الوطنية، فإن منطقة شمال سيناء تحظى بتغطية قليلة في
الصحافة المصرية، حيث يخشى الصحافيون الأجانب تعرضهم للهجمات، فيما أذعن الصحافيون المحليون؛ خوفا من القمع الأمني المشدد".
ويشير التقرير إلى أن التصريحات الموجزة للمتحدث باسم القوات المسلحة أصبحت المصدر الرئيسي للمعلومات، الذي يستقي منه العالم الخارجي معلوماته حول ما يجري في شمال سيناء، لافتا إلى أنه مع تزايد العنف والتوتر اًصبح المواطنون في المنطقة غير راضين عن التقارير التي تعكس رواية واحدة عن الأحداث التي قلبت حياتهم رأسا على عقب منذ عام 2013.
وتذكر الصحيفة أن عددا من أهل المنطقة قاموا باستخدام مواقع
التواصل الاجتماعي؛ من أجل خلق شبكة من الصحافيين المواطنين في مدن سيناء الرئيسة؛ من أجل ملء الفراغ في المعلومات حول الحرب، مشيرة إلى أن بعضهم تحدث بشرط عدم ذكر أسمائهم،حيث قال الشخص الذي ساهم في الموقع إنه وغيره بدأوا بوضع أخبار في عام 2013؛ لنشر الأحداث، خاصة بعدما صعّد الجيش المصري من حملته لسحق التمرد "الإسلامي" المتشدد في مناطقهم.
وتكشف عفيفي عن أن نشاطات هؤلاء الصحافيين بدأت في أعقاب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي، حيث توقعت شبه صحراء سيناء المضطربة موجة من الإرهاب من المجموعة التي كانت تعرف بأنصار بيت المقدس، وتعرف الآن باسم ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة، التي "تعهدت بالانتقام من قوات الأمن وانتهاكاتها للمسلمين"، لافتة إلى أن المجموعة أعلنت مسؤوليتها عن عدد من الهجمات الكبيرة، بما فيها انفجارات في القاهرة في عام 2014، وإسقاط طائرة روسية في عام 2015، الحادث الذي أدى إلى مقتل 224 راكبا كانوا على متنها، وبينهم طاقمها.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن شبكة الصحافيين المواطنين قررت نشر معلومات عن المواجهات الحادثة والقتل، مضيفة عددا من التفاصيل إلى التصريحات الجامدة التي تقوم بنشرها القوات المسلحة، وبدأت أول موجة من أشرطة الفيديو المثيرة بوضع شريط يظهر تعذيب شابين حتى الموت على يد الجيش، ولفت الشريط انتباه الإعلام الدولي، وزعم الجيش أن الشابين قتلا أثناء مواجهة مسلحة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مساهم قوله: "شعرنا بأهمية دورنا عندما أقنعنا الناس، شبابا وشيوخا، للحديث عما يعانونه، وأدى الشريط الأول الذي أصدرناه إلى كسر حاجز الخوف".
وتقول الكاتبة إن موقع "أخبار سيناء 24" وعددا آخر من المواقع الإخبارية تطورت؛ لتشجيع السكان المحليين على الحديث عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، وتجاربهم على يد القوات المسلحة والجماعات المتمردة، مستدركة بأن هذا العمل يعترضه الكثير من المخاطر.
ويفيد التقرير بأن القوات المسلحة تمنع استخدام الكاميرا في سيناء، خاصة حول المنشآت العسكرية، مشيرا إلى أن من يضبط وهو يقوم بالتقاط صور فإنه يواجه خطر السجن وأسوأ من ذلك، بحسب ما ذكرته منظمات حقوق الإنسان، مثل "هيومان رايتس ووتش"، التي قالت إن آلاف المواطنين تلقوا محاكمات عسكرية خلال الأشهر الـ18 الماضية.
وتكشف الصحيفة عن أن موقع "أخبار سيناء 24" يضم شبكة من المتطوعين، يقوم كل واحد منهم بجمع المعلومات من المنطقة المخصصة له، دون أن يثير انتباه السلطات الأمنية؛ لتجنب الملاحقة والتحرش.
وتنوه عفيفي إلى أن المعلقين على المواد المنشورة على صفحة الـ"فيسبوك" يؤدون دورا في هذا المصدر الجماعي للتقارير الصحافية، حيث إن التقارير عن نقص التيار الكهربائي، والهجمات بالقنابل، يتم التعليق عليها بالتوضيح، أو التأكيد، أو النفي، أو التصحيح، ومن أشخاص يعيشون في المناطق ذاتها.
ويورد التقرير نقلا عن مواطن عمره 33 عاما، من مدينة العريش، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، قوله إن السكان يعدون هؤلاء الصحافيين مصدرهم الرئيسي، الذي يتلقون منه معلوماتهم، رغم أن بعض المواقع يعتقد أن لها صلة مع المتشددين، وأضاف: "إنهم الخيار الوحيد الذين نجده من أجل العثور على ما لا نراه بأم أعيننا، وإذا نشروا معلومات غير صحيحة فإن هناك الكثير من الناس يقومون بتصحيحها".
وتشير الصحيفة إلى موقع آخر، وهو "خواطر سيناوي"، الذي يحظى بشعبية في المنطقة، ويعرف بأنه موقع معارض، ومع ذلك يثق القارئ بمحتوياته؛ لأنه يذهب أبعد من الوضع الحالي للأزمة، و"يذكّر الناس بالملامح المنسية في سيناء"، لافتة إلى أن الموقع ينشر أخبار الجمعيات الخيرية التي تريد المساعدة، وأخبار الموت والجنائز، وأخبار الألعاب الشعبية.
وتنقل الكاتبة عن مصطفى سنجر، المقيم في سيناء ويعمل لصالح صحيفة "الشروق"، قوله إن هذه المواقع أصبحت مهمة في المنطقة، لكنه يشك في مصداقية الأخبار التي تنشرها، ويقول: "الوصول إلى موقع الأحداث في سيناء أصبح مستحيلا، ولا تقدم المصادر الرسمية آي معلومات، وتعمل الصحافة الرسمية تحت قيود، ناهيك عن مخاطر تعرضها للمحاكمة"، ويستدرك قائلا: "مع ذلك، فإن هذه الصفحات ذات توجه سياسي، ولا تقدم معلومات كاملة وموضوعية".
وبحسب التقرير، فإن سنجر قام بالإعلان عن "تلفزيون سيناء الآن"، الذي ينظر إلى الجانب الآخر من الأخبار، ويقدم معلومات وبرامج أسبوعية تهدف إلى نشر أخبار عن الشؤون المحلية في سيناء؛ من أجل سد الفراغ في نقص المعلومات، مشيرا إلى أنه تم التخلي عن المشروع عام 2013؛ بسبب تدهور الوضع الأمني، وصعوبة العثور على موظفين، ولم يبق منه سوى صفحة على "فيسبوك"، يتابعها حوالي 135 ألف معجب.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن سنجر يعترف بأن "وضع الصحافة في سيناء يمثل حال الصحافة في مصر"، لافتا إلى أنه "لا توجد مهنية، وعادة ما تحصل على جزء واحد من الصورة".