قضايا وآراء

التداعيات الفلسطينية للمصالحة التركية الإسرائيلية

ماجد عزام
1300x600
1300x600
أثارت المصالحة التركية الإسرائيلية والاتفاق على تبادل السفراء، واستئناف الاتصالات السياسية والأمنية بين البلدين، ردود أفعال وسجالات خاصة في السياق أو البعد الفلسطيني لها.

للتذكير، فقد تضمن الاتفاق المطلبين التركيين بالاعتذار والتعويض مع حل وسط فيما يتعلق برفع الحصار عن غزة. يتضمن إيصال تركيا لمساعداتها لغزة عن طريق ميناء أشدود مع حل مشاكل القطاع المزمنة الكهرباء والمياه؛ البنى التحتية المنهارة بعد حرب بل ثلاث حروب مدمرة.

بداية، وقبل التقييم أو قراءة المصالحة في بعدها الفلسطيني لا بد من لفت الانتباه إلى أن تركيا تعترف بإسرائيل، ما زالت السفارات مفتوحة بينهما، وأنه رغم القطيعة أو خفض مستوى التمثيل، إلا أن التبادل الاقتصادي لم يتأثر، بل زاد أو ارتفع ولو بشكل طفيف، كونه مدارا بالكامل من قبل القطاع الخاص في دولتين تتبعان نموذج الاقتصاد الحر.

لا بد من الانتباه أيضا إلى أن تركيا، ومن ستّ سنوات تقريبا لم تتحدث عن أنها في حالة عداء مع إسرائيل، وقالت إنها مستعدة دائما لرفع مستوى العلاقات الرسمية - تبادل السفراء - في حالة تنفيذ إسرائيل لشروطها الثلاثة: الاعتذار، والتعويض، ورفع الحصار. وأن المماطلة كانت تأتي من السلطة الإسرائيلية التي لم تمتلك الشجاعة أو الإرادة للمضي قدما في عملية المصالحة، رغم التوصيات من الأجهزة الأمنية بضرورة طي صفحة الخلاف للحاجة الماسة إلى تركيا كدولة كبرى في المنطقة.
ثمة ثلاثة أسباب رئيسية دفعت نتن ياهو للتخلي عن سياسة التردد والمماطلة، وهي الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي توجته كزعيم لليمين - حتى مع ائتلاف هش - دون نزاع أو خلاف على السياسة الخارجية، ومن هنا فإن أول لقاء جدّي بعد فترة انقطاع حصلت في أيار/مايو من العام الماضي بعد تشكيل الحكومة مباشرة، ومع تسليم الملف إلى صديقه دوري غولد مدير عام وزارة الخارجية التي يتولاها نتن ياهو شخصيا.

السبب الثاني ملف الغاز وخطة الغاز الحكومية التي قاتل نتن ياهو لتمريرها والحاجة إلى أسواق كبرى ومستقرة، وذات جدوى، وفي الإقليم كلها لا سوق كالسوق التركية المتطلبة المستقرة والواعدة، والأهم أن لا أمل لإسرائيل لإيصال وتصدير غازها إلى أوروبا إلا من خلاله.

السبب الثالث: يتمثل بالتغييرات الإقليمية في سوريا، تحديدا عودة الاتصالات تزامنت مع تقدم جيش الفتح العام الماضي قبل الاحتلال الروسي، ثم هذا الاحتلال الذي دفع إسرائيل للتوقف بعض الشيء، ومع الاطمئنان إلى التفاهم الوثيق مع موسكو، اعتقدت تل أبيب أن الأولى غير قادرة وحدها على تحديد مستقبل سوريا، وأن أنقرة لاعب مهم أيضا لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة مع تآكل مكانة نظام السيسي في مصر واستنزافه في مشاكله الداخلية وصعوبة التعاطي معه لمواجهة الأزمات والتحولات العاصفة في المنطقة.

من الجانب التركي أيضا ثمة ثلاثة أسباب رئيسية للمصالحة مع إسرائيل، الانكفاء الأمريكي، الاتفاق النووي الإيراني الذي بدا كأنه تفاهم غير معلن أو قبول ضمني من واشنطن لهيمنة طهران على المنطقة، طالما أنها تلتزم أو حتى تقاتل العرب في عواصمهم ضمن الخطوط الحمر المرسومة أمريكيا.

السبب الثاني: الأزمة أو القطيعة مع روسيا التي خذل الناتو والغرب عموما أنقرة فيها، على عكس ما فعل في أوكرانيا، وسواء أحببنا ذلك أو لا، فإن إسرائيل تبدو دولة قوية ومستقرة مع الانهيار التام للدول العربية الكبرى، كما سعي تركيا إلى الاستعاضة أو تخفيف الاعتماد على الغاز الروسي عبر استيراد الغاز الإسرائيلي. كما منع قيام تحالف استراتيجي ثلاثي ضدها مع اليونان وقبرص، يستند أساسا إلى  قطاع أو ملف الغاز إقليميا ودوليا، ويسمح لها بالتفرغ لمواجهة الإرهاب والكيان الكردي، وكفّ يد تل أبيب عن العبث في هذه الملفات.

السبب الثالث: تعثر مسيرة الثورات والتحول الديموقراطي في العالم العربي، وهي المسيرة التي راهنت عليها تركيا من أجل علاقة تركية عربية راسخة وقوية على كل المستويات، التعثر الأهم حصل في القاهرة طبعا وأدّى إلى تغيير وجه المنطقة، وشيوع تمدد الثورات المضادة إلى المنطقة كلها. وببساطة مصر الثورة مصر الديموقراطية الاستقرار والسلم الأهلي كانت خير حليف لتركيا، وما كانت لتدفعها إلى التقرّب أو تقديم التنازلات في ملف الغاز أو غزة أو غيرها من الملفات الاستراتيجية في المنطقة.

بناء على ما سبق توافرت الإرادة لدى الطرفين للمضي قدما في عملية المصالحة بينهما، وبات عليهما مواجهة معضلة أو شرط تركيا برفع الحصار عن غزة. 

وهنا أيضا تم التوصل إلى حل وسط مع الانتباه إلى أنه مع تقدم الحوارات والمفاوضات من شهور التقى الرئيس أردوغان رئيس المكتب السياسي لحماس - نهاية العام الماضي - الذي قدم له ثلاثة طلبات أساسية: حل مشكلة الكهرباء، حل مشكلة المياه وتسريع إعادة إعمار البنى التحتية المنهارة، وخط بحري لوصل قطاع غزة بالخارج وحرية حركة المواطنين، والبضاعة منه وإليه عبر هذا الخط.

وفعلا أصرت تركيا على حل مشكلة الكهرباء عبر سفينة، ثم محطة توليد تركية ألمانية ومشكلة المياه  عبر محطة للتحلية تركية بالكامل، وإصلاح شبكات الكهرباء والمياه  والبنى التحتية المنهارة والمساهمة في إعادة الإعمار، وقيادة مشاريع سكنية كبرى كما بناء مستشفى ضخم لتلبية حاجات القطاع.

أمام الرفض الإسرائيلي القاطع لقصة الخط البحري والتمسك بالحصار، المدعوم بشكل أو بآخر من قيادة السلطة، كما من مصر بدا، وأن تركيا قبلت برفع الحصار في شقه الإنساني، والقبول أو الاقتناع بصعوبة أو استحالة رفعه بشقه السياسي، بمعزل عن إنهاء الانقسام أو المصالحة الفلسطينية وموقف مصري مختلف.

كان لافتا طبعا إصرار أنقرة على تضمين إتفاق المصالحة بندا يتعلق باستئناف العمل في المنطقة الصناعية التركية، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية المنطقة التي ستوفر 6000 فرصة عمل، ستكون مهمة للاقتصاد الفلسطيني في الضفة، كما لنفي أي اتهام أو فرية عن دعم تركيا الانقسام، أو لطرف ضد طرف، أو  فكرة إدامة وتأبيد الفصل بين الضفة الغربية وغزة. 

الحضور التركي سيكون إنسانيا – طبعا لا يمكن إلغاء الطابع السياسي عن هذا الحضور-، وسيكون جهدا تركيا كبيرا ومتواصلا؛ لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة على حد سواء.
 
غير أن موطىء القدم الإنسانى لتركيا قد يكون مهما جدا  لعدة أسباب، منها أنه سيجعل أنقرة في وضع يسمح بتأدية دور سياسي مستقبلا، إن في السياق القلسطيني الداخلي، أي فيما يتعلق بالمصالحة بين فتح وحماس، أو في السياق الفلسطيني الإسرائيلي الواسع، عملية التسوية والمفاوضات وفي الحد الأدنى الحوار بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؛ لضمان عدم ذهاب الأوضاع نحو الأسوأ، وربما حتى المساعدة في صفقة جديدة محتملة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل. 

موطىء القدم الإنساني التركي يتضمن تقديم أنقرة مساعدات متواصلة للقطاع، عبر خط مرسين أسدود غزة، انتظام هذا الخط وبالتالي انتظام تدفق المساعدات لغزة، سيسمح بتحسن جدي في الأوضاغ الإنسانية، طالما أن العملية السياسية بشقيها متوقفة، وربما حتى جعل الحصار البحري الإسرائيلي نفسه غير ذي صلة ولا فائدة أو جدوى منه.

المشروعات المتعددة والكبرى التي ستشرف تركيا على تنفيذها، ستخلق بالضرورة نهضة أو طفرة في الوضع الاقتصادي الاجتماعي في غزة، التي يعيش أربعة أخماس سكانها على المساعدات الخارجية. المشروعات التي ستستمر لسنوات وتكلف مليارات الدولارات، ستخفض بالتأكيد من نسب الفقر والبطالة العالية، وتؤدي إلى تحسن جدي في الحالة الاقتصادية والاجتماعية المنهارة في القطاع.
دوران عجلة المشروعات الكبرى وفي السياق طبعا عجلة إعادة الإعمار، سيبعد بالتأكيد شبح أي حرب أخرى مدمرة عن القطاع، وبالتأكيد فإن خططا تكلف مليارات وتساهم في إخراج القطاع من أزمته بل  أزماته، ستخلق وضعا يصبح فيه التصعيد العسكري احتمالا بعيدا وبعيدا جدا، خاصة إذا ما تذكرنا أن ثلاث حروب مدمرة لم تؤد إلى تغيير جدي في موازين القوى، أو حتى تغيرات استراتيجية فيما يتعلق بالصراع في فلسطين ككل. 

الدور التركي بشقه الاقتصادى الإغاثي، سيشجع دولا أخرى على تأدية دور مماثل، أو على الأقل  التفكير في إيصال المساعدات من خلال تركيا؛ إن للرغبة في مساعدة الشعب الفلسطيني وتحسين أوضاعه الماساوية، أو لضمان ألا يخرج الوضع في غزة عن السيطرة، ويؤدي إلى انفجار إقليمي واسع لا يريده ولا يسعى إليه أحد أصلا. 

سياسيا، سيؤدي الدور التركي في شقه الإنساني الإغاثي إلى تهدئة الأوضاع في غزة، وربما خلق ظروف أفضل أمام الفلسطينيين، وتحديدا فتح وحماس، للعمل بجدية أكثر من أجل إنهاء الانقسام، وتطبيق تفاهمات المصالحة، والاقتناع أن لا حسم سياسي او عسكري قريب، وأن ثمة فسحة زمنية سانحة لترتيب البيت الوطن، والتوافق على كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل، بعيدا عن الحرب التقليدية أو التصعيد العسكري الواسع، وبالتأكيد بعيدا عن عملية التسوية كما رأيناها منذ أوسلو حتى الآن، التي دخلت فعليا في  حالة موت سريرى منذ  شهور بل سنوات طويلة.

* كاتب فلسطيني - رئيس تحرير نشرة المشهد التركى
0
التعليقات (0)

خبر عاجل