يجري
حي المال في
لندن مباحثات مع مسؤولي الحكومة، في إطار سعيه للتوصل إلى اتفاق يمنحه وضعا مماثلا لوضع النرويج، يتيح للمؤسسات المالية استمرار صلاتها بأوروبا، بعد خروج بريطانيا من
الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد هذا المسعى الشكوك التي أحاطت بإمكانية بقاء الوضع الحالي فيما يتعلق بالتعاملات مع أوروبا، دون ثمن على الإطلاق، أو دون ثمن يذكر، وهو الأمر الذي تعهد به بعض من نادوا بخروج بريطانيا من الاتحاد.
غير أنه رغم تنامي الرغبة في مركز صناعة المال في لندن في نموذج للتعاملات، على غرار نموذج النرويج، التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولكن تربطها صلات وثيقة به، فإن من طالبوا بخروج بريطانيا من الاتحاد سيجدون صعوبة في تقبل ذلك.
فهذا سيعني أن بريطانيا ستضطر لدفع أموال للاتحاد الأوروبي، وتبني قوانينه، دون أن يكون لها رأي في تلك القوانين، وذلك مقابل رخصة لبيع منتجات مثل الخدمات المالية في مختلف أنحاء السوق المشتركة لدول الاتحاد، البالغ عددها 27 دولة. ويشمل الاتفاق النرويجي حرية انتقال الناس.
وقال مارك بوليت رئيس قسم السياسات بحي المال في لندن، مشيرا إلى الحق في العمل دون أي عوائق في مختلف أنحاء السوق المشتركة: "الكثير من مؤسسات الحي يريد استمرار الصلات مع السوق المشتركة."
وقال: "من الواضح أن أحد الخيارات هو النموذج النرويجي، لكن مدى تقبل الناس الذين أرادوا خروج بريطانيا (من الاتحاد الأوروبي) مسألة أخرى"، مضيفا أن مؤسسات تجارية وغيرها تعقد لقاءات متواصلة منذ إعلان نتيجة الاستفتاء البريطاني يوم الجمعة.
وتابع: "ستجري مباحثات مع المسؤولين. لن ننتظر حتى الخريف. فالمطلوب إنجازه قدر هائل من العمل."
وقال كريس كامينجز الرئيس التنفيذي لشركة ذا سيتي يو كيه، التي تروج لصناعة المال البريطانية، إن مؤسسات عاملة في القطاع تحاول وضع إطار عمل.
وأضاف: "لا يصلح أي من النماذج القائمة لبريطانيا؛ لأن
الاقتصاد ضخم جدا. نحن نتطلع لحل حسب الطلب لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي."
وكان قرار الناخبين البريطانيين الخروج من الاتحاد تسبب في اهتزاز أسواق المال، ودفع الجنيه الإسترليني للهبوط إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ 31 عاما، كما دفع أسهم البنوك الأوروبية لهبوط شديد.
وقال مصدر بصناعة المال إن الاضطرابات السياسية في لندن وفي بروكسل -في أعقاب استقالة مفوض بريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي المسؤول عن القواعد التنظيمية- تجعل من الصعب تحديد الأطراف التي يمكن الضغط عليها.
وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي سيستقيل في تشرين الأول/ أكتوبر، إنه سيترك أمر السير في إجراءات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لمن سيخلفه.
وخلال العطلة الأسبوعية، قال عدة مسؤولين في الاتحاد الأوروبي إن من الضروري أن تشرع بريطانيا في إجراءات الانفصال على الفور.
لكن القائمين على حملة المطالبة بالانفصال عن الاتحاد، ومن بينهم رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون، يقولون إنهم يريدون التفاوض على علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي بعد الخروج قبل الشروع في إجراءات الانفصال.
وكتب جونسون نفسه المرشح لخلافة كاميرون، في صحيفة ديلي تلجراف يوم الاثنين، يقول إن "التجارة الحرة ستستمر، وكذلك النفاذ إلى السوق الموحدة."
غير أن مسؤولين ومراقبين أوروبيين يقولون إن من المستبعد أن يمنح الاتحاد الأوروبي بريطانيا تسهيل النفاذ إلى السوق الموحدة دون أن تقبل لندن حرية حركة العاملين من الاتحاد الأوروبي. وكان كثيرون ممن أيدوا الانفصال شكوا من أن الاتحاد الأوروبي سمح بوصول أعداد كبيرة من المهاجرين بلا رقابة من شرق أوروبا.
ويعد تأمين انفتاح حي المال في لندن على السوق الأوروبية أحد الأركان الرئيسية للاقتصاد.
وفي بروكسل، يبدو أن المواقف تتصلب؛ فقد انتقد روبرتو جالتيري الرئيس الإيطالي للجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية بالبرلمان الأوروبي ما وصفه "بالوعد الزائف" بأن بريطانيا ستحافظ على انفتاحها على السوق الأوروبية، دون أن تدفع ثمنا مقابل ذلك. وقال: "الانفصال ليس نكتة، بل ستكون له عواقب."
وقال بيرند لوك العضو الألماني في البرلمان الأوروبي، الذي أسس حزب البديل لألمانيا، القائم على التشكيك في الوحدة الأوروبية، إن بريطانيا ستندم على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي مع اتضاح التداعيات الاقتصادية لهذا القرار.
وأضاف: "بوسع بريطانيا أن تكون جزءا من السوق المشتركة، لكن عليها مثل ليختنشتاين أو النرويج أن تقبل بحرية انتقال الناس."
وقالت الكسندريا كار، المحامية لدى شركة ماير براون، إن التفاوض على شروط تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي لن يكتمل بنهاية فترة العامين المنصوص عليها في بنود معاهدة الاتحاد الأوروبي.
وقد استغرقت جرينلاند عدة أعوام للتفاوض على انسحابها عام 1985 من المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي أصبحت فيما بعد الاتحاد الأوروبي، كما اشتمل الاتفاق على بنود انتقالية.
وقالت كار، المسؤولة السابقة بوزارة المالية البريطانية: "يجب التركيز في المستقبل المنظور على التفاوض على البنود الانتقالية"، لكن فترة العامين قد تكون أطول مما تتحمله البنوك في حي المال.