يسلط تقرير لمعهد واشنطن الضوء على تداعيات العمليتين الإرهابيتين اللتين ضربتا الأردن خلال شهر حزيران/ يونيو الجاري.
ففي السادس من حزيران/ يونيو الجاري، لقي خمسة من منتسبي جهاز المخابرات العامة حتفهم خلال هجوم على أحد مكاتب الجهاز. وفي الحادي والعشرين من الشهر ذاته، أسفرت عملية تفجير سيارة مفخخة في نقطة حدودية إلى مقتل ثمانية من منتسبي القوات المسلحة والأمن العام، وجرح آخرين.
وتشكّل هذه الهجمات الحوادث الأكبر في الأردن منذ أكثر من عقد.
وفيما يعتقد معد التقرير، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، ديفيد شينكر، أنّ التنامي العام في الأنشطة
الإرهابية أمرٌ مقلق، إلا أنه يؤكد أن الجانب الأكثر مدعاة للقلق هو هوية منفذ الهجوم على أحد مكاتب المخابرات العامة؛ فالمشتبه به الرئيسي هو ابن شقيقة عضو في البرلمان.
ويرى شينكر أن تورط أحد أفراد أهل النخبة في المملكة في هذا الهجوم بالتحديد هو نزعة تبعث على القلق؛ إذ حتى اليوم، لقى ثلاثة من أبناء أعضاء برلمان حاليين -في نسبة ملفتة تبلغ 1.5 في المائة من أعضاء البرلمان- مصرعهم خلال قتال الجهاد في سوريا، وذلك إما مع تنظيم «داعش»، أو مع «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة».
وقد سبق أنّ التحق ما يقدّر بنحو 2500 أردني في صفوف المقاتلين الأجانب في سوريا.
يقول شينكر "إن قابلية هذه الشريحة الأوفر حظا من سكان الأردن إلى التوجه للتشدد الإسلامي لا تُبشّر بالخير بالنسبة لاستقرار المملكة الهاشمية على المدى الطويل. فكم يا ترى من الأردنيين الأقل يسرا قد اعتمدوا هذه الأيديولوجية الخبيثة أيضا؟"
وينقل التقرير عن مقال للكاتب الأردني المختص بشؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، في صحيفة "الغد" المحلية قوله: "الخطر الحقيقي من تنظيم «داعش» ليس من الخارج، بل في الداخل".
ووفقا لأبو رمان، أصبحت الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة تتوغّل في الطبقة الوسطى في الأردن وفي صفوف الطلاب والمتعلمين بطريقة لم يسبق لها مثيل، "حيث تجد موطئ قدم لها في مناطق جديدة، مثل إربد وعمّان الشرقية والمخيمات". ويقول إنّ ذلك ناجم في جزء كبير منه عن كون استراتيجية الحكومة لمكافحة التطرّف العنيف "غير جديّة وغير مقنعة". معتبرا إياها "فشلا ذريعا".
ورغم تأثير فكر
تنظيم الدولة على عقول الشباب في أوروبا وحتى أمريكا، إلا أن شينكر يعتقد أن الحصّة الأكبر من هذا التغلغل تبقى من نصيب الأردن.
ويضع شينكر عدة أسباب لذلك، على رأسها
البطالة، حيث تبلغ بطالة الشباب في الأردن نسبة مذهلة قدرها 30 في المئة. كما أن قربها من سوريا -حيث يقوم نظام الأسد بذبح السنّة منذ خمس سنوات- يشكل أيضا عاملا كبيرا.
وفي استقصاء للرأي جرى في عام 2014، أي قبل عام من قيام تنظيم الدولة بحرق طيار السلاح الجوي الأردني حيا بعد أن كان قد أسره، أعرب 62 في المئة فقط من الأردنيين أنّهم يعدّون تنظيم «الدولة الإسلامية» - و31 في المئة فقط أنّهم يعدّون «جبهة النصرة» - تنظيمين "إرهابيين". في حين إنّ استطلاعا أجراه في المدة الأخيرة "المعهد الجمهوري الدولي" يشير إلى أنّ ما يقرب من 90 في المئة من الأردنيين يعدّون الآن تنظيم «داعش» منظمة إرهابية، إلا أن نسبة 10 في المئة المتبقية أمر يدعو للقل، وفق شينكر.
ويرى شينكر أنّه سيتعيّن على الأردن التعامل مع مشكلة التطرّف -وربما أيضا مع خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» السورية النائمة- لسنوات قادمة.
ويعتقد شينكر أن الأردن هو أفضل حلفاء واشنطن العرب وشريك رئيسي في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، إذ يوفّر للولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية قواعد جوية وغيرها من أشكال الدعم الهامة الأخرى في العمليات. والأهم من ذلك، وفق شينكر، أنّ العاهل الأردني الملك عبدالله لطالما شكل صوتا رائدا مناصرا للاعتدال في المنطقة وصوتا رئيسيا في مكافحة سرد تنظيمي «داعش» و«القاعدة». وإقرارا بأهمية المملكة، تقدّم لها الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار أمريكي في العام، على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية وتمويل للاجئين.
ويختتم شينكر تقريره بالقول "إن المال لا يشكّل الآن وحده الحلّ لمشكلة الإرهاب التي يواجهها الأردن. فبعد خمس سنوات من التمرد في سوريا، تُحدث استمرارية اللامبالاة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تأثيرا ضارا على الأمن في المملكة. وكلما طالت الحرب في سوريا، زاد الخطر الذي تشكّله تداعيات الامتداد الأيديولوجي للمتشددين الإسلاميين على الأردن".