قد يواجه قرار
بريطانيا الانسحاب من
الاتحاد الأوروبي سلسلة من الصدمات لعلاقاتها الخاصة مع أمريكا، مما يثير تساؤلات بشأن استعداد لندن وقدرتها على دعم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في الأزمات الدولية، بدءا من الشرق الأوسط وانتهاء بأوكرانيا.
ويقول محللون ودبلوماسيون سابقون إن خسارة أقوى صوت مساند للولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي بسبب خروج بريطانيا، يهدد بإضعاف تأثير واشنطن في دوائر صنع القرار الأوروبية، ويقوي في المقابل موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويشجعه على المزيد من التحدي للغرب.
كما يزيد الاستفتاء الذي أجري الخميس ويرى على نطاق واسع بوصفه انعكاسا لمواطنين، تزيد لديهم نزعة القومية والاهتمام بالشؤون المحلية من مخاطر الانقسام داخل المملكة المتحدة نفسها، مما قد يقلل أكثر من دورها وتأثيرها في الشؤون الدولية.
ومن شأن خروج بريطانيا - الذي لن يسري فورا ويجب أن يمر بمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي - أن يطرح على الرئيس الأمريكي القادم معضلة عما إذا كان عليه التحول نحو شركاء أوروبيين أساسيين آخرين مثل ألمانيا وفرنسا، بما يقلل بالضرورة من الروابط الخاصة التي جمعت أمريكا بلندن منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال إيفو دالدر السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي ورئيس مجلس شيكاجو للشؤون الدولية إن قدرة بريطانيا على إقناع حلفائها الأوروبيين وداخل حلف الأطلسي بوجهات نظرها وخياراتها السياسية ستنعدم بعد أن وفرت في السابق دعما سياسيا قويا للولايات المتحدة.
وأضاف "من الواضح أن لديك بريطانيا أضعف بكثير كما ستقل سطوتها على العواصم الأوروبية بسبب التصويت". وقال إنه نتيجة لذلك فمن المرجح أن تبذل الولايات المتحدة المزيد من الجهد للحفاظ على الوحدة في المواقف عبر الأطلسي وفي أوروبا.
وقال إن أي أمر يؤدي لانقسام أوروبا "هو نصر لروسيا؛ لأن تلك سياسة انتهجها بوتين وتبنتها روسيا".
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه: "هذا من المؤكد سيشجع الروس على الاستمرار، بل وعلى الأرجح تكثيف حملتهم لدعم الحركات القومية اليمينية المتطرفة في غرب وشرق أوروبا، في إطار جهودهم لتحييد حلف الأطلسي".
وعبر فيل جوردون وهو مستشار سياسة خارجية بارز سابق لأوباما عن قلقه من أن أوروبا ستصبح متمحورة على شؤونها الداخلية؛ بسبب رحيل بريطانيا عن الاتحاد وحركات الاستقلال في القارة، تاركة الولايات المتحدة لتحمل المزيد من الأعباء الدولية.
وقال: "كلما زاد الوقت الذي تمضيه أوروبا على فعل ذلك وزادت الموارد التي تنفقها على التكيف مع عواقب ذلك، قلّ الوقت والنقود والجهد السياسي الذي لديها لمساعدتنا في التحديات العالمية".
انتكاسة لأوباما
على الرغم من أن أوباما أصر الجمعة على أن بريطانيا ستبقى "شريكا لا يمكن الاستغناء عنه"، فقد وجهت نتيجة الاستفتاء ضربة واضحة للرئيس الأمريكي الذي تدخل بصورة قوية وغير معتادة في السياسة البريطانية، معبرا عن معارضته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال زيارة إلى لندن في نيسان/ أبريل.
وتعاون رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون - الذي أعلن خططه للتخلي عن منصبه عقب إعلان نتائج الاستفتاء - بشكل وثيق مع أوباما في المجال الأمني. وبريطانيا لاعب عسكري أساسي في حملات تقودها الولايات المتحدة ضد متشددي تنظيم الدولة؛ في سوريا والعراق وحليف ناشط على الأرض في أفغانستان، وداعم قوي للعقوبات ضد روسيا بسبب دورها في الأزمة الأوكرانية.
وقالت هيذر كونلي مديرة البرنامج الأوروبي في مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية في واشنطن، إن طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يمكن أن يستغرق عامين، سيكون الآن "عملية مرهقة" يمكن أن تشتت انتباهها عن مثل تلك الجهود.
وقالت: "الأمر يتعلق بالوقت الذي سنحتاج فيه للمملكة المتحدة وقيادتها سواء في مجلس الأمن أو في حلف الأطلسي.. سيكون اهتمامها متمحورا على القضايا المحلية".
وبينما من المتوقع أن يبقى تبادل المعلومات المخابراتية بين الولايات المتحدة وبريطانيا - وهو أحد أقوى
العلاقات من نوعها في العالم- صامدا في وجه الصدمة السياسية يقول بعض الخبراء، إن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الشركاء الأوروبيين قد يعاني في وقت استهدفت فيه الدولة عواصم أوروبية.
وقال بروس ريدل وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه)، وهو حاليا في معهد بروكنجز البحثي في واشنطن: "سيجعل الأمر من التعاون في أوروبا بشأن مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة، كما توقع أغلب رؤساء المخابرات البريطانيين قبل التصويت".
لكن مايكل موريل وهو قائم سابق بأعمال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، رفض هذا الرأي وقال، إن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب "أكثر أهمية من أن يسمح للسياسة من أي نوع بالتأثير عليه".
ويزيد المخاوف الأمريكية احتمال طرح القوميين الاسكتلنديين لإجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا، التي صوت ثلثا الناخبين فيها لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وسيثير احتمال انقسام المملكة المتحدة تساؤلات بشأن ما إذا كانت ستحتفظ بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، وهو الموقع الذي مكنها من أن تصبح داعما يعتمد عليه لمبادرات الولايات المتحدة.