نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب وليام بوث، حول
الترميمات الضرورية التي ستتم في
كنيسة القيامة "كنيسة القبر المقدس"، التي هي أقدس المزارات لدى النصارى، حيث يعتقدون بأن فيها الصخرة التي يقولون إن
المسيح صلب عليها، وفيها أيضا قبر المسيح.
ويشير التقرير إلى أن عملية الترميم معقدة، لافتا إلى أن الخبراء سيقومون باستخدام براغي التيتانيوم لإصلاح قبر المسيح، حيث سيقوم فريق من المتخصصين في الحفاظ على
الآثار القديمة اليونانيين بعملية ترميم، ستمتد تسعة أشهر للقبة، التي فوق القبر المقدس، الذي يعتقد النصارى أن المسيح قد دفن فيه بعد الصلب ومنه بعث.
ويذكر الكاتب أن الفريق يحتاج إلى عدة أمتار مربعة من الآثار للوصول للقبر، الذي يعود للقرن الأول الميلادي، ليصل إلى ما يسمى بالصخرة المقدسة؛ لإصلاح القبة التي بدأت تتداعى تحت وزنها، مشيرا إلى أنه للدخول هناك، فإن الخبراء يحتاجون لتنظيف مخلفات قرون من الشموع النذرية، ثم سيقومون بتثبيت الرخام المستورد، وسيقومون باستخدام الإسمنت على الأعمال الحجرية، التي تعود إلى فترة الحروب الصليبية.
وتكشف الصحيفة عن أن الفريق سيقوم برفع البلاطة، التي ركع عليها ملايين الحجاج، وقاموا بالصلاة فغسلوها بعرقهم ودموعهم في قلب ذلك الصرح، حيث ستكون هذه المرة الأولى التي ترفع فيها تلك البلاطة منذ 200 عام، وسينظرون ماذا في الداخل.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه يتم دخول هذه الآثار، التي يعتقد أنها قبر محفور في الصخر؛ لأن القبة التي بنيت فوقه بدأت بالتداعي، مشيرا إلى أن إصلاحها تأخر عقودا؛ بسبب الخلافات بين الفرق المسيحية التي تسيطر على الكنيسة، حيث بدأ العمل بترميم القبة في وقت سابق من هذا الشهر.
ويورد بوث أن فريق الترميم، الذي كان عمل سابقا على المدينة الإغريقية القديمة في أثينا، ليس متأكدا مماذا سيجد لدى رفع الصخرة، وتقول أنتونيا مربولو، التي تقود فريق العمل القادم من الجامعة التقنية الوطنية في أثينا: "هذا أكثر الأماكن التي عملنا فيها بحيوية"، وأضافت: "سنرى ماذا سنجد"، لافتا إلى أن الفريق قام بفحص القبة والقبر بماسحات رادارية وليزيرية، تخترق طبقات الأرض، كما استخدم الكاميرات المركبة على طائرات صغيرة "درونز" فوق الموقع الذي يقع داخل الكنيسة، حيث وجد كسرا في صخرة القبر لم تظهر في السابق، ويعتقدون أن سبب الكسر هو ثقل الأعمدة التي تحمل القبة.
وتفيد الصحيفة بأن دراسات الآثار في كنيسة القيامة كانت محدودة جدا؛ وذلك جزئيا بسبب رجال الدين وقرون من التقاليد، حيث لا يعد المكان موقع بحث عن الآثار، بل هو موقع حج وإيمان وشغف وغموض، وليس موقع حفر وسبر.
وينقل التقرير عن بطريرك الروم الأرثوذوكس البطريرك ثيوبولوس الثالث، قوله: "لا شك بأن هناك شكلا من الطاقة لا أريد وصفها، لكنه نوع من الطاقة التي تخرج من هذا المكان"، وأضاف ثيوبولوس أنه أعاد قراءة الروايات التاريخية لسابقيه، الذين رأوا الآثار عندما فتح القبر في المرة السابقة عام 1809.
ويبين الكاتب أن القبة، التي بناها الصليبيون، دمرت في حريق عام 1808، بحسب البطريرك، الذي قال إنه "عندما بدأ اليونانيون بإصلاحها عام 1809، كان الكل منفعلا، ويريد أن يرى ما بقي من الكهف الأصلي، الذي كان قبرا للمسيح.. والآن وللأمانة، فإن لدينا الشعور ذاته، فلا يمكن أن تبقى غير مبال تجاه الأمر"، وابتسم ثم قال لضيفه: "هذا ليس موقعا أثريا، وتلك ليست مجرد حجارة".
وبحسب الصحيفة، فإن "عالم الآثار البريطاني مارتن بدل، الذي درس الموقع في تسعينيات القرن الماضي، يتوقع أنه قد تكون هناك كتابة على الجدران حول الصخرة المقدسة، أو تحت أرضية البناء الدائري، وربما يكون هناك نحت لبعض الصلبان من المسيحيين الأوائل على جدران الكهوف في القرون الأولى، وربما مجرد صخور تم حفرها، ولن يعرف فريق الترميم شيئا حتى يصل إلى تلك المرحلة، وحتى وقتها هل سيثبت بالتأكيد أن ذلك هو قبر المسيح؟".
وينوه التقرير إلى أن فريق الترميم اليوناني وعد بأنه سيبقي الكنيسة مفتوحة للزوار خلال عملية الترميم، ما يعني أنهم سيعملون طيلة الليل، وينيرون الموقع بمولدات الكهرباء التي جلبوها معهم، وتقول مربولو: "إن هذه بيئة فيها تحد، عميقة ولكنها مثيرة"، وتضيف أنها مهندسة، لكنها مؤمنة أيضا، وتقول: "هذه مهمة خطيرة، ونعرف جيدا أين نحن، ونعرف جيدا ما نفعله".
ويشير بوث إلى أن الكنيسة، التي تعد أحد أكثر المعالم شعبية في العالم، وتملأ الكاثدرائية الصخرية فيها المحاريب، والقبور الصليبية السرية، والصوامع المخبأة، والرموز الذهبية، حيث يعتقد الكاثوليك والأرثودوكس أن المسيح دفن فيها وبعث منها، هي "المكان الذي تلتقي فيه السماء بالأرض"، بحسب البطريرك ثيوبولوس.
وتقول الصحيفة إن "علماء الأديان يعتقدون بأن أتباع المسيح كانوا يصلون هناك منذ عام 66 قبل الميلاد، كما أن هناك أدلة بأن الحجاج بدؤوا يقدمون إليها من القرن الرابع الميلادي، وبنيت على الأقل أربع كنائس على موقع القبر، حيث قام الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادي بهدم معبد وثني، كان أقامه هادريان للإلهة أفروديت، وبناء كنيسة مكانه، وربما كان فعل هادريان هذا تحركا من روما لحرمان المسيحيين الأوائل من مكان للحج إليه وأنقذ عمر بن الخطاب كنيسة القيامة عام 638، عندما فتح
القدس، ودمرها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 1009، وأعاد بناءها الصليبيون، الذين قاموا بقتل نصف سكان القدس، وحماها مرة أخرى القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، ودمرها ثانية الأتراك الخوارزميون، الذين دخلت خيولهم الكنيسة، وقطعت سيوفهم رؤوس الرهبان".
ويلفت التقرير إلى أن اليونانيين قاموا ببناء القبة الأخيرة عام 1810، بعد الحريق الكبير الذي وقع عام 1808، مشيرا إلى أن القفص الحديدي، الذي أقامه الحاكم البريطاني عام 1947، ليكون حماية مؤقتة للقبة، لم يعد اليوم يقوى على حمل البناء.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن القبة بحاجة للإصلاح منذ وقت طويل، لكن الخلافات الدائمة بين الطوائف المسيحية، التي لها الحق في استخدام الكنيسة، أخرت هذا الموضوع، واحتاج الأمر إلى تدخل من البابا ورئيس الكنيسة الشرقية، بالإضافة إلى التزام من ملك الأردن الملك عبدالله الثاني، وهو الذي له الحق في حماية
المقدسات في القدس، بأن يدفع معظم ميزانية الترميم، التي تصل إلى 3.4 ملايين دولار.