لا شيء ينبئ بتغيّر ملاحظات أئمة المساجد التي يرسلونها على شكل تغريدات صوتية، من محاريبهم إلى المصلّين كل مساء في
رمضان بين صلوات العشاء والتراويح على امتداد العالم العربي ومنذ عشرات السنين، فالمساجد تعمر في شهر الصوم برواد موسميّين لم يألف نفرٌ منهم الالتزام بمنظومة سلوكيات فردية، تتعَنون تحت بند "
آداب المسجد"، مما يؤدي إلى قائمة منفّرات للمصلين الدائمين أو لآخرين موسميين "مؤدّبين".
لعل الرائحة الكريهة لبعضهم تتصدر القائمة، فالثوم والبصل مع تشكيلة من بهارات السند والهند التي استقرت بكميات عائلية في مَعِدة رجُل واحد، لم يكافحها صاحبُنا الطارئ بعلكة مطهّرة أو بمضغة نعناع وبقدونس، بل أتبعها بسبع سيجارات إحداهن على باب المسجد لتفوح من فمه خلطة رائحة شبيهة بمكبات النفايات ومحارقها، ينفث خبثها ضمن مساحة تتسع لتشمل صفوف مجاوريه غير المحظوظين مع كل "دشوة" يطلقها بفخرِ المُتخَم العائد منتصرا من غزوة إفطار.
الأطفال دون سن التمييز لا تَصحَبوهم معكم إلى المساجد حتى لا يحوّلوها إلى ملاعب وحلقات لهوٍ و"سعدَنة"... لازمة رمضانية يكررها الأئمّة ولا يفهمها بعضهم إلا دعوة مفتوحة لرمي صغارهم بين أرجُل الكبار، وأحيانا على ظهور الساجدين تنمية لشخصيات فلذات أكبادهم ولو على حساب أكباد المصلّين وخشوعهم.
لا تتكلموا بين الصلوات بأحاديث جانبية تُخرج المسجد من عبق أجواء العبادة والتبتّل وصفاء الروح، دعوةٌ لا تلقى آذانا صاغية عند من يطلق لصوته العنان في نقاشات وحكايات سخيفة، أو في أحسن الأحوال لا تهم غيره ومحدثه.
أطفئوا هواتفكم المحمولة، خرّسوها، أوقفوا خاصية الرجّة فيها (vibration)... تمنياتٌ تذهب يوميا مع رنّات تهزّ خطوط الطول والعرض في المسجد، وبعض هذه الرنّات عبارة عن مقاطع من أغنيات صاخبة راقصة، وفي كل مرة يخرق قراءة الإمام الجهرية أو السرية هاتفٌ ذكي يهرع صاحبه الغبي إلى حركات خفة، بحثا عن أقصر الطرق لإطفائه مع أن أقصرها وأيسرها يبدأ قبل الشروع في الصلاة.
فلنجمِّل مدخل المسجد.. يقول الشيخ الحزين، فلا يجد بعضهم أجمل من أحذية تتعانق عند البوابة الرئيسية في حفلة "غمّيضة" تحتاج إعادة جمعها إلى سد منافذ الخروج وتأخير المصلين، فضلا عن تعمّد البعض ربط شريط حذائه بعملية دقيقة وكاملة عند الباب، فيما الطابور من خلفه ينتظر الفرَج.
لقد تم ضبط درجات التكييف واتجاهات مراوح الهواء من خادم المسجد وفق معطيات مدروسة ولا ينبغي لأحد إعادة توزيعها، مطلبٌ يرمي به عرض الحائط بعض المصلين الذين يتعاملون مع التبريد على أنه مكسب مجاني لَذته في الإكثار منه، فيحولون بأيديهم بيوت العبادة والحياة إلى ما يشبه ثلاجات حفظ جثث الموتى، بدرجات صقيع تتناسب مع طبيعة أجساد بُركانية لن يُطفئ لهيبها تحالف كبريات شركات التكييف والتبريد في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، غير آبهين بأصحاب الأجساد البشرية العادية الذين بات عليهم تناول أدوية مضادة للإسهال بين ركعات التراويح.
ليس ثمة ما يَشي بأن نداءات أئمة مساجد رمضان ستتغيّر، مضت عشرات السنين من أعمارنا ونحن نسمع العبارات ذاتها، بل ربما تزيد الملاحظات في المستقبل مثلما أضيف الهاتف المحمول على قائمة منفّرات المصلّين خلال السنوات الأخيرة. المشكلة ليست صغيرة كما قد تبدو، فمن لا يستطيع الانضباط في بيوت الله أين سينضبط؟... ورمضان كريم..