يجمع شهر
رمضان في
تركيا بين
الإيمان والثقافة والتقاليد، حيث إن أيام الصيام الطويلة في الصيف تعوض بالرضا الروحي، الذي يحصل عليه الناس خلال هذا الشهر الفضيل.
ويقول سراج شارما في تقرير له عن رمضان وعاداته في تركيا، نشره موقع "ميدل إيست آي"، إن "شوارع وأزقة القرى والمدن في تركيا تمتلئ طوال شهر رمضان بأصوات الطبول التي تقرع في ساعات الليل، وهذا الشهر هو رمضان الذي نزل فيه القرآن على النبي الكريم محمد، ويتجنب فيه المسلمون الطعام والشراب من طلوع الشمس إلى غروبها".
ويشير التقرير إلى أنه في نحو الساعة الثانية صباحا يخرج الطالب محمد سيزكين (20 عاما) إلى الشوارع، مثل غيره من الطبالين "
المسحراتية" في أنحاء البلد؛ من أجل إيقاظ المسلمين وتذكيرهم أن الفجر سيطلع، وأن عليهم تحضير وجبة السحور.
ويعلق الموقع بأن "تقاليد الطبالين (المسحراتية) والخروج إلى الشوارع، التي لا تزال قوية في ريف الأناضول، أصبحت مهمة خطيرة، وعرضة للنقد في المناطق الحضرية، حيث يقول المعارضون لها إنها تقاليد عفا عليها الدهر في زمن الساعات المنبهة والهواتف الذكية، فيما يصفها آخرون بالمزعجة، التي تقض مضاجع المرضى، أو من لا يرغب في الاستيقاظ وتناول السحور، ويقول آخرون إنها طريقة من طرق إجبار الناس على دفع المال".
ويلفت الكاتب إلى أن سيزكين بدأ بالقيام بمهمة المسحراتي هذا العام، بعدما قرر المسحراتي في قريته ذكري ياكوي، التي تقع أقصى شمال مدينة اسطنبول، التقاعد في العام الماضي، مشيرا إلى أن سيزكين يحظى بدعم رفاقه الكامل، الذين يرافقونه في تجواله في القرية وهو يضرب على الطبل، حيث يبدو سكان القرية سعداء، ويفتحون نوافذ بيوتهم ويحيونهم، ويقول سيزكين: "من الجيد الاحتفاظ بالتقاليد، وهي لا تضر بأي شخص، وممتعة لنا جميعا".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه في الجانب الآخر من المدينة، يصحو كل من عثمان أفتشي وأنور كايا، على وقع صوت طبل آخر، حيث إن وجبة السحور هي الوجبة الوحيدة التي لا يعدانها أثناء رمضان، لافتا إلى أنهما يعملان طاهيين في شركة تزويد الطعام، التي تعاقدت معها بلدية ساريير في مدينة اسطنبول من أجل توفير وجبة الإفطار.
ويستدرك الموقع بأنه رغم عدم وجود قواعد صعبة للصيام، إلا أن توفير الطعام الجماعي أصبح عادة معروفة في المدن الكبيرة، حيث تبنت بلدية ساريير فكرة جديدة لعقد وجبات
إفطار جماعية في مناطق متعددة من البلدية؛ من أجل السماح لعدد أكبر من السكان بحضور الإفطار، مشيرا إلى أنه يجب على كل من أفتشي وكايا التأكد من توفير وجبة إفطار مكونة من ثلاثة أنواع من الطعام لما بين 700 إلى 1500 شخص وفي كل مكان.
وينوه شارما إلى أنه على خلاف المسحراتية، الذين لم تتغير طبيعة مهنتهم، فإن التغيير وصل إلى أفتشي وكايا، وقبل البدء بمسيرتهما المهنية، حيث إن تعليمات النظافة والصحة الشديدة تعني أن شركات صناعة الطعام الكبيرة هي التي تتوفر لديها هذه المعايير هذه الأيام، مستدركا بأن الذي لم يتغير في اسطنبول هو أيام الصيف والمناخ في أي مطبخ.
وبحسب التقرير، فإن "أيام الصيف في اسطنبول معروفة بحرها الشديد، وقد ترتفع معدلات الحرارة إلى ما بين 28 إلى 30 درجة مئوية، إلا أن درجة الرطوبة تصل إلى 75 بالمئة، وتعطي شعورا باللزوجة، يضاف إلى هذا قضاء يوم في المطبخ، حيث روائح الطعام والحرارة المرتفعة التي تتولد من الطبخ لحوالي ألف شخص، ولهذا يمكن إيجاد العذر لكايا وأفتشي بأخذ إجازتهما في رمضان".
وينقل الموقع عن أفتشي قوله: "رمضان هو شهر لتعلم التعاطف مع الناس الأقل حظا منا، ما قيمة أن تقضي طوال يومك نائما وأنت صائم؟"، ويضيف: "بعد 16 عاما في المطبخ فإنك تتعود على الظروف فيه، نعم عندما يحل رمضان في الصيف، فإن العطش يصبح مشكلة في نهاية اليوم، لكن وجبة الإفطار هي التي أحب إعدادها، وكل ما أفعله هو التفكير بأنني من يقوم بإعداد الطعام الذي سيطعم الفقراء والمحرومين، وكل تعبي يختفي".
ويبين الكاتب أنه في الوقت الذي ينشغل فيه الطهاة في المطبخ، تقوم جماعة من الأشخاص بالعمل على ترتيب الطاولات، والتحضير لوجبة الإفطار، تحت أشعة الشمس الحارقة، حيث إن فكرة عقد الإفطارات الجماعية في مناطق مختلفة من ساريير تعني أنه يجب ترتيب الطاولات والكراسي بطريقة تأخذ بعين الاعتبار المساحة المتوفرة.
ويذكر التقرير أن نائب مدير قسم الرعاية الاجتماعية في البلدية فيردفيس أيدن، يتولى مسؤولية ترتيب الإفطارات، ويحضر كل مساء؛ للتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
ويورد الموقع نقلا عن أيدن قوله: "نحن نتحدث عن إطعام آلاف الناس، ويجب أن يكون كل شيء مرتبا، وستكون كارثة لو أصيب البعض بالمرض؛ نظرا لطعام لم يحضر جيدا، أو بسبب عدم نظافة أواني الطبخ والصحون"، ويضيف :"أنا شخصيا أشعر بالضغط في هذا الشهر، حيث إن المسؤولية عظيمة، لكن الثواب الروحي عظيم، وهي ليست أمرا دينيا، إنها تتعلق بالانخراط في المجتمع".
ويشير شارما إلى أنه مع قرب موعد الأذان، حيث لم يتبق له سوى ساعة واحدة، يبدأ الناس بالتقاطر، وعندها بدأ كايا وأفتشي بالعمل بنشاط، وإلقاء التعليمات على من يعملون تحت إمرتهم، ويشرفون على طريقة توزيع الطعام.
ويقول التقرير إنه بعد لحظة بدأت الشمس بالغياب خلف الأفق، وبدأ الطاهيان وبقية العاملين بصب الحساء في الصحون، وساد الهدوء، حيث غرق كل واحد في لحظة تأمل روحية، وصعد صوفي على المسرح، وأخذ يتمايل على وقع موسيقى صوفية، لإضفاء أجواء روحية.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه عندما رفع الأذان اشترك المسحراتي وأفتشي وكايا ومسؤول البلدية أيدن والموظفون العاملون في تحضير الإفطار كلهم، ومئات الناس من الحي، الأغنياء والفقراء والشباب والشيوخ، في وجبة الإفطار بصداقة ووئام.