أجرى الرئيس
الفلسطيني محمود عباس، في الأيام الأخيرة، سلسلة إقالات وتعيينات جديدة في أوساط قيادية داخل
حركة فتح في فلسطين وخارجها، ما طرح كثيرا من التساؤلات حول أهداف هذه التغييرات وتوقيتها، في ظل تزايد الحديث عن خلافته قريبا.
وتمثلت أبرز الإقالات التي شهدتها "فتح" في 19 أيار/ مايو، في إعفاء عضو اللجنة المركزية زكريا الآغا (74 عاما) من مهامه مفوضا للتعبئة والتنظيم في الحركة بغزة، وتعيين صخر بسيسو خلفا له، فيما أعلن مأمون سويدان القيادي الفتحاوي في
غزة ومستشار عباس، في 18 أيار/ مايو، انسحابه من العمل التنظيمي، عقب فشله في تحقيق تطور إيجابي لإنقاذ "فتح" في غزة.
وفي ضوء هذه الأحداث؛ تواصلت "
عربي21" مع ثلاثة من كبار قادة "فتح" في الضفة وغزة، لكنهم رفضوا التعقيب على التطورات الأخيرة، "لأنهم ليسوا على اطلاع عليها" كما قالوا.
"فشل" القيادة
ولكن عضو المجلس الثوري في "فتح" عبدالحميد المصري، الذي يُعد من أكثر المقربين من القيادي الفتحاوي
محمد دحلان، قال لـ"
عربي21" إن "التغييرات الحاصلة في فتح؛ هي نتيجة تراكمات من فشل قيادة الحركة"، مشيرا إلى أن القيادة الحالية تجري تنقلات وتعيينات في أوساط الحركة؛ كي تكون الأسماء الفتحاوية الجديدة التي يقوم عباس بتعيينها موالية له".
وأضاف: "هناك قناعات متزايدة داخل حركة فتح؛ بأن تغيير هذه الطريقة في الإقالات والتعيينات بات حتميا وضروريا واستراتيجيا، بحيث تكون هذه التغييرات في الحركة نابعة من انتخابات تنظيمية حقيقية داخل الحركة".
وشهدت شبكات التواصل الاجتماعي في 21 أيار/ مايو، هجمات شخصية بين كوادر فتحاوية، وجهت لبعضها اتهامات بالعمل على تخريب "فتح"، وكتابة تقارير كيدية، ونقلها إلى عباس.
وكانت الهيئة القيادية العليا للحركة في غزة؛ قررت في 12 آذار/ مارس تقديم استقالتها الجماعية لعباس، في ظل "عجزها عن تلبية حاجات فتحاويي غزة، وعدم اكتراث السلطة الفلسطينية بمطالبها".
وقال قيادي فتحاوي قريب من اللجنة المركزية لـ"فتح"، طالبا إخفاء هويته، إن "التنقلات والإقالات والتعيينات المتلاحقة في قيادات الحركة؛ ترتبط بصعود دحلان الإقليمي الآخذ في الازدياد، ما يشكل مصدر إزعاج للرئيس عباس؛ لأنه يعدّه خصما عنيدا له".
وقال لـ"
عربي21": "أضف إلى ما سبق؛ فشل قيادة فتح في غزة بتحقيق مطالب الكوادر الفتحاوية الخاصة بالرواتب والترقيات؛ لأن بعض أعضاء اللجنة المركزية في الحركة غير معنيين بمساعدة فرعها في غزة، على اعتبار أنه موال لدحلان".
خليفة عباس
وتتزامن هذه التطورات المتلاحقة التي تشهدها حركة فتح، مع أحاديث فلسطينية وعربية عن ترتيبات تتعلق بالخليفة المتوقع لعباس (81 عاما)؛ بعد غيابه عن المشهد السياسي الفلسطيني، سواء لأسباب صحية، أم سياسية تتعلق بأن تقدم "إسرائيل" على التخلص منه، أو إقدامه على الاستقالة الطوعية بسبب انسداد الأفق السياسي، بحسب مراقبين.
وقال رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي، القيادي في "حماس" يحيى موسى، إن "عباس يحاول وضع العصي في دواليب الجهود الإقليمية الحاصلة أخيرا حول وراثته؛ لأنها تحصل بعيدا عنه، وهو لا يشارك في تحديد هوية خليفته المتوقع بعد غيابه عن المشهد السياسي".
وعن موقف حركته من التطورات الأخيرة في "فتح"؛ أكد موسى لـ"
عربي21" أن "حماس في كل المراحل؛ تنأى بنفسها عن أن تكون طرفا في الصراعات الحاصلة داخل فتح، وتبقى دائما على الحياد، من دون الانحياز إلى أي طرف فيها".
ووقع 47 عضوا من المجلس الثوري لـ"فتح" في 11 أيار/ مايو، على عريضة تطالب بضرورة عقد جلسة استثنائية وطارئة للمجلس، متهمين اللجنة المركزية بـ"المماطلة والتسويف".
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، عبد الستار قاسم، لـ"
عربي21" إن "عباس يعتقد أن قطاعات كبيرة داخل فتح غير راضية عن خطه السياسي مع إسرائيل، وهو يسعى للقيام بتفكيك الحركة من داخلها، حتى تبقى مرتبطة به؛ من خلال أموال الرواتب والامتيازات التي يوزعها على من يفضلهم من قادتها، وهو معني بطرد أي قيادي فتحاوي ينتقد سياساته".
ويقول مراقبون إن كل هذه الأحداث تؤكد أن "فتح" تعيش مخاضا قاسيا تحضيرا لأحداث تنظيمية كبيرة، بينها انعقاد المؤتمر السابع للحركة الذي طال انتظاره، وإمكان غياب عباس عن القيادة، ما يعني أن بقاءها بهذا التمزق والاستقطاب الداخلي قد يهدد وحدتها التنظيمية بصورة خطيرة.