يعيش
الفلسطينيون في مدينة الخليل تطورات قضية مفاجئة، تمثلت في إعلان الحكومة الفلسطينية برام الله في 23 شباط/ فبراير، عن قرار يقضي بالتنازل عن أراضي وقفية تعود للصحابي تميم بن أوس الداري، لصالح البعثة الروسية البطريركية، ما أثار ردود فعل غاضبة، واتهامات للسلطة بتجاوز القانون من خلال التفريط في أراضي الفلسطينيين.
يقول ماهر الجعبري، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير، وأحد الذين يقودون حراكا جماهيريا فلسطينيا ضد استملاك أراضي كنيسة المسكوبية لروسيا، إن "القرار الحكومي الفلسطيني يعبر عن خضوع السلطة الفلسطينية للضغوط الروسية المطالبة بتملك أراضي الكنيسة، ولذلك فإن للقرار أبعادا سياسية أكثر منها قانونية".
وأضاف لـ"
عربي21" أن القرار "يشكل مسا خطيرا بالمقدسات الإسلامية"، مؤكدا أن "سكان الخليل سيواصلون الاحتجاج لمنع تطبيق هذا القرار؛ لأنه تعبير عن سمسرة مؤسفة على الأراضي الفلسطينية، ومنحها لمن لا يملكون الحق فيها".
صفقة البرتقال
ويبدي الفلسطينيون مخاوف جدية من انتقال ملكية أراضي وقف الكنيسة الروسية لموسكو؛ خشية بيعها للمستوطنين اليهود، مشيرين إلى وجود سابقة تاريخية باسم "صفقة البرتقال" عام 1964، والتي بموجبها باع الاتحاد السوفييتي السابق معظم أملاكه داخل فلسطين للحكومة الإسرائيلية، ومن بينها مبنى البعثة الكنسية الروسية.
وقال كبير وجهاء الخليل، عبدالمعطي السيد، إن "الفعاليات الشعبية في المدينة جمعت عرائض وتواقيع احتجاجية لأكثر من 60 ألف فلسطيني من سكانها، وسلمتها للجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية".
وأضاف لـ"
عربي21": "أوضحنا في هذه العرائض أن قرار الحكومة يعد تجرؤا على الأحكام الشرعية الإسلامية لأراضي الوقف، وأن لدينا مخاوف حقيقية من أن يقدم الروس على بيع هذه الأرض الوقفية لليهود؛ لإقامة مستوطنة إسرائيلية عليها".
وتابع: "سنقف صفا واحدا لمنع إجراءات هذا الاستملاك الباطلة".
إرضاء بوتين
من جهته؛ أوضح روحي أبو ارميلة، أحد القائمين على الوقف الإسلامي في منطقة المسكوبية، التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أن "قرار الحكومة الفلسطينية كان يجب أن يمنح الأرض المحيطة بكنيسة المسكوبية للمنفعة العامة لأهل البلد الفلسطينيين، كإقامة مشاريع خيرية وتعليمية، وليس إعطاءها للروس".
وقال لـ"
عربي21": "لن نسمح بتمرير هذا القرار؛ لأن الحكومة تحدت كل سكان الخليل، ومن الواضح أن الرئيس
محمود عباس يريد إرضاء الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية".
وربط معارضو القرار تزامنا واضحا بين زيارة عباس لموسكو في 17 نيسان/ أبريل، ولقائه مع رئيسها فلاديمير بوتين، وبين قرار تمليك الأراضي الوقفية لصالح البعثة الروسية، مؤكدين أن الزيارة تهدف لتوثيق علاقة عباس بالبطريرك "كيريل"، على حساب
التنازل عن الأرض الفلسطينية.
قانوني أم لا؟
بدوره؛ قال مصدر مسؤول في مجلس الوزراء الفلسطيني، رفض كشف هويته، إن "القرار الذي أصدرته الحكومة منسجم مع القانون الفلسطيني".
وأضاف لـ"
عربي21": "ليست صحيحة الاتهامات الموجهة للحكومة بأنها التفّت على القانون عبر القرار".
وأكد رئيس فرع جامعة القدس المفتوحة بالخليل، المؤرخ الفلسطيني نعمان عمرو، أن "القرار الفلسطيني باستملاك الأرض للمنفعة الروسية "غير قانوني".
وقال لـ"
عربي21": "يبدو أن السلطة الفلسطينية رضخت للضغوط الروسية، مع أن الحكومة لا يجوز لها التصرف بالأرض، وكان الأولى بها أن تحرص عليها".
ويرى مراقبون أن السلطة الفلسطينية وضعت نفسها في مشكلة ثلاثية الأبعاد، سياسية؛ بظهورها توزع أراضي الفلسطينيين على هذه الدولة أو تلك مقابل علاقات سياسية معها، ودينية؛ كون هذه الأرض وقفية لا يجوز التنازل عنها شرعا، وفي ذلك التنازل استفزاز لمشاعر الفلسطينيين الدينية، وقانونية؛ في كون السلطة تجاوزت القانون، ولم تمنح القضاء فرصته الكافية للبت في هذه القضية. على حد تعبيرهم.