جاء في تحليل نشره موقع "ستراتفور" الأمني، تحت عنوان "اهتزاز الهدوء" في الأردن، أن الأردن يحاول استيعاب المشاعر الإسلامية، ومنع حوادث مثل حادث
البقعة، وتحولها إلى حالات متكررة.
ويشير التقرير إلى أن الأردن استطاع البقاء واحة للاستقرار في منطقة مضطربة، لافتا إلى أن هذا كله بسبب مهارة الملك عبد الله الثاني، الحليف القديم للغرب، حيث قدم البلد ملجأ للاجئين من نزاعات عدة شهدتها المنطقة.
ويستدرك الموقع بأن هذا الهدوء اهتز في الأيام القليلة الماضية، حيث إنه في الساعات الأولى من 6 حزيران/ يونيو، قام عدد غير محدد من المسلحين بأسلحة أتوماتيكية، بالهجوم على مركز أمني في مخيم البقعة، الذي يبعد 20 كيلومترا عن العاصمة الأردنية عمان، وفتحوا النار عليه، وقتلوا خمسة عناصر من مديرية
المخابرات الأردنية العامة، ثلاثة منهم عاملون في المركز.
ويلفت التقرير إلى أن قوات الأمن الأردنية سارعت بوصف الحادث بالفردي والمعزول، وأعلنت أنها اعتقلت مشتبها به، مشيرا إلى أنه لم تعلن أي جهة متشددة مسؤوليتها عن الحادث.
ويقول الموقع: "أيا كان الفاعل، فإن الهجوم يلمح إلى شيء يغلي تحت السطح في المجتمع الأردني، فهناك قطاع واسع من المجتمع الأردني يؤمن بالمعتقدات الإسلامية السياسية، وحتى هذا الوقت، قامت عمان بإحباط محاولات الكثير من الأردنيين، ومنعتهم من الانضمام إلى
تنظيم الدولة أو الجماعات الجهادية الأخرى، إلا إن الأردن يجد صعوبة في تمرير هذه المشاعر الى أحزاب سياسية شرعية، وتخفيف الآثار التي تزعزع الاستقرار، التي تنبع من جماعات مثل الإخوان المسلمين، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، تأمل الحكومة بتجيير جهودها الأخيرة لتقوية المعتدلين من الإخوان المسلمين، حيث يقومون بامتصاص مشاعر الغضب، ومنع تكرر حوادث مثل حادث البقعة".
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مخيم البقعة يقع جنوب الحدود السورية، وأنشئ في عام 1967؛ لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، الذين فروا بعد حرب الأيام الستة، حيث يعد اليوم واحدا من أكبر مخيمات اللاجئين الموزعة على الأردن، لافتا إلى أنه يعد تجمعا لسكان يميلون عادة للتدين أكثر من بقية المخيمات، حيث يعد المخيم المصدر الرئيسي لدعم فرع الحزب السياسي التابع للإخوان المسلمين، الذي تمثله الآن ثلاث مؤسسات متداخلة: الجماعة الأصلية وحزبها السياسي، جبهة العمل الإسلامي، ومبادرة زمزم الناشطة بين الشبان في الحواضر، وجمعية الإخوان المسلمين، التي يقول التحليل إنها الفرع الخيري للجماعة.
ويذكر الموقع أن الجماعة تحظى بمستويات مختلفة من الدعم السياسي، حيث إن الحكومة الأردنية، مثلا، تتسامح مع مبادرة زمزم وجمعية الإخوان المسلمين الخيرية؛ لأنهما تقدمان واجهة معتدلة للمشاعر الشعبية الإسلامية، مستدركا بأنه في المقابل، فقد لاحقت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين الأصلية، وقامت في منتصف نيسان/ أبريل بقمع الجماعة، وإغلاق عدد من مراكزها، ومنعتها من عقد انتخابات لمجلس الشورى، وهو مجلس استشاري داخلي تقوم كل جماعة من جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة بتشكيله، "وقامت الجماعة بتحدي المنع، وعقدت مؤتمرها في 18 أيار/ مايو".
وبحسب تحليل مركز "ستراتفور"، فقد وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى هذه المرحلة الممزقة بعد سنوات من الخلافات بين "الصقور" ومعظمهم فلسطينيون، و"الحمائم" وهم أكثر اعتدالا وأكثر تنوعا، مشيرا إلى أن قرار الجماعة مقاطعة انتخابات عام 2007 و 2013، كان وراء تعميق الصدع.
ويورد الموقع أن عمان أصبحت بعد الربيع العربي في عام 2011، قلقة بشكل متزايد من نشاطات
الجماعة، مبينا أن الحكومة الأردنية عرفت بناء على تجربتي كل من سوريا ومصر، أنه يجب عليها التحرك بحذر، رغم حاجتها لاحتواء السخط المعادي للدولة، الذي تجسده الجماعة، ولم تستطع الدولة حظر جماعة ذات جذور شعبية ضخمة.
ويفيد التقرير بأن "عمان قامت بالعمل على إضعاف الإخوان المسلمين سياسيا، وإرضاء مجتمع الإسلام السياسي في الوقت ذاته، وتجنبت عمليات الاعتقال الجماعي، مثل تلك التي قامت بها مصر، ودعمت عوضا عن ذلك الأجنحة المعتدلة، واعترف عدد من عناصر جماعة الإخوان المسلمين البراغماتيين بهذه الحقيقة، وقاموا بالانسحاب من الجماعة الرئيسة للحصول على الشرعية، ولهذا تم تشكيل مبادرة زمزم عام 2012، وتداخلت بشكل خفيف مع جمعية الإخوان المسلمين، التي شكلت في آذار/ مارس 2015، وفي الوقت ذاته واجهت جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين مشكلات تتعلق بالوضع الإداري والأيديولوجي".
ويبين الموقع أنه "بعد إعلان جمعية الإخوان المسلمين الولاء والاحترام للدولة الهاشمية، أعلنت في 4 حزيران/ يونيو عن نيتها المشاركة في الانتخابات العامة، التي يتوقع عقدها قبل تشرين الأول/ أكتوبر، وناقشت مبادرة زمزم أيضا في آذار/ مارس خطوات لإنشاء حزب سياسي، وربما تخطط الجماعتان لإنشاء حزب سياسي واحد، الذي قد يكون نتيجة ترحب بها الحكومة الأردنية. ونتجت انتخابات كل من عام 2007 و 2013 عن برلمان تمثيل سياسي واسع؛ نظرا لمقاطعة الإخوان المسلمين لهما، وقد تؤدي مشاركة انتخابية من جماعات مرتبطة بالإخوان إلى تخفيف هذا النقد".
ويجد التقرير أن الحكومة الأردنية تلعب لعبة حساسة، حيث إنها بحاجة ماسة للحفاظ على الاستقرار، ومنع صعود التشدد في البلاد، مشيرا إلى أن الأردن اضطر للبحث عن دعم خارجي؛ نظرا لضعف القاعدة الإنتاجية المحلية، حيث "أثبتت هذه الاستراتيجية نجاعتها ولعقود طويلة، وساعدت الولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على درء حدوث أزمة اقتصادية، وهناك دعم قادم، حيث يتم التفاوض حول قرض جديد مع صندوق النقد الدولي".
ويقول الموقع إنه "بعد هذا كله، فإن الحكومات داخل المنطقة وخارجها تعتمد على الأردن؛ بوصفه حاجزا ضد تنظيم الدولة، وتشترك في المعلومات الأمنية مع المخابرات الأردنية القوية، وفي الوقت ذاته فإن الدعم الذي يحصل عليه الأردن لا يأتي دون ثمن، حيث ضغطت دول الخليج عليه؛ لتضييق الخناق على الإسلاميين، أما قروض صندوق النقد الدولي فتأتي بشروط إصلاحات بنيوية".
ويختم "ستراتفور" تقريره بالإشارة إلى أنه "مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، فإن الحكومة ستواصل دعمها لجماعات الإخوان وفروعها المتعددة، ولن يتحقق هذا بسهولة، ويجب على عمان أن تظل حذرة من تحول الجماعات المنبثقة عن الجماعة الأم إلى الجماعات الجهادية، ومنحها في الوقت ذاته واجهة سياسية مقبولة، لا تهدد الاستقرار السياسي".