نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمراسلها مارتن شولوف، تحدث فيه عن الشكوك والعداوات التي تخيم على محاولات استعادة بلدات وقرى من
تنظيم الدولة.
ويقول الكاتب إنه "في الشهر الماضي كانت الحملة لاستعادة الموصل في طريقها للنجاح، إلا أن القوات
العراقية التي دربها الأمريكيون أجبرت على التراجع من بلدة النصر، وهي أول بلدة من بين 25 بلدة صغيرة تفصل مدينة الموصل عن المعسكرات العراقية، وكلها واقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة، ويعمل خلف القوات العراقية، مقاتلو
البيشمركة، الذين بنوا خطوطهم الأمامية في بلدة مخمور، وظلت الحرب ضد تنظيم الدولة هي حربهم الخاصة، حتى وصول القوات العراقية، وعندها بدأت الخلافات".
ويضيف شولوف أنه "في الوقت الذي يعترف فيه العراقيون والأكراد، على حد سواء، بأن المسيرة إلى الموصل لن تحدد مسار الحرب فقط، بل إنها ستشكل مستقبل العراق، ورغم المخاطر الكبيرة، إلا أن التخطيط لعملية استعادة الموصل يشوبه العداء والشك".
ويشير التقرير إلى أنه بعد عامين من سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق، فإن البلد لا يزال رهن الخلافات الإثنية والطائفية وأزمة سياسية، حيث فقدت الدولة سيطرتها، ووجد
الجيش العراقي نفسه في كفاح مع المليشيات الشيعية والكردية، لافتا إلى أن نتيجة هذا كله كانت جمودا في الساحة العسكرية، التي تهم الجميع، حيث ينظر العراقيون نظرة شك للشمال شبه المستقل ومحاولاته الاستفادة من الظرف الحالي، والإعلان عن انفصاله عن العراق، وفي الوقت ذاته يشك
الأكراد بقدرة الجيش العراقي على القتال واستعادة الموصل.
وتنقل الصحيفة عن الكابتن شوكت من البيشمركة الكردية، قوله: "لا يوجد شيء اسمه العراق اليوم"، وأضاف: "لم يكن هناك أبدا، لكنه أصبح الآن واضحا للجميع حتى للأمريكيين الموجودين على التلال"، ويقول العقيد سرد برزنجي، الذي كان يراقب القوات العراقية من منظاره: "أنظر إليهم، لقد تعلمنا في التمرينات العسكرية ضرورة الحفاظ على مسافة مفتوحة بينك وبين العدو طولها 500 متر، وهم الآن في أسفل التل تحت العدو، وفقدوا عنصر المفاجأة"، حيث لم يصل الجيش العراقي إلى بلدة مخمور إلا في منتصف شهر آذار/ مارس، وظلت وحداته تقاتل طوال الوقت في محافظة الأنبار.
ويعلق برزنجي على خروج الجيش من بلدة النصر قائلا: "عندما هاجموا النصر كان الأمريكيون يطلقون القنابل المدفعية الدقيقة من التلال، ومع ذلك لم يستطيعوا السيطرة عليها، ولاذوا بالفرار"، بحسب التقرير.
ويلفت الكاتب إلى أن خطوط القتال في مخمور تمتد على طول 75 ميلا جنوب شرق الموصل، حيث ينظر القادة العسكريون لها على أنها نقطة مهمة للوصول إلى مدينة الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية، التي لا يزال يعيش فيها حوالي 600 ألف نسمة، مشيرا إلى أن مجموعات تابعة لتنظيم الدولة أو ميليشيا محلية، كلها ترفع علم الدولة على أبراج الهاتف أو المناطق العالية فيها، تعمل في البلدات الواقعة بين خطوط القتال والموصل.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن مقاتلي التنظيم أثبتوا صمودا حتى الآن، مشيرا إلى أن الكثير من المقاتلين، الذين قبض عليهم أو استسلموا، كانوا يحملون الأسلحة التابعة للجيش العراقي، التي غنمها التنظيم عندما انهارت القوات العراقية عام 2014 في مدينة الموصل.
وتورد الصحيفة نقلا عن مقاتل من البيشمركة قوله عن مقاتلي التنظيم: "لا نراهم في النهار، وحتى عندما يطلقون قنابل الهاون علينا لا نعرف من أين جاءت، فهم يتحركون في الليل، حيث حفروا الأنفاق، وزرعوا القنابل، وكل ما حولنا كان قنابل عندما وصلنا إلى هذه القرية، والوضع ذاته على طول الطريق إلى الموصل، وأصدقاؤنا لا يستطيعون القيام بالمهمة بأنفسهم وهم يعرفون هذا"، في إشارة إلى الجيش العراقي.
ويضيف المقاتل أن الفرق بين البيشمركة والجيش العراقي هو "أننا نؤمن بما نقاتل من أجله، ونؤمن بهذه القضية، ولدينا مبادئ وقيم، ولن نتوقف حتى نحقق ما نريد".
ويستدرك شولوف بأنه مع ذلك، فقد حقق الجيش العراقي أول انتصاراته يوم الإثنين، عندما سيطر على قرية كبروك في محافظة مخمور، ونقل 300 من أبناء القرية إلى مراكز التجميع، ويقول برزنجي إن أي شخص نشتبه بكونه من عناصر تنظيم الدولة يرسل مباشرة إلى أربيل للتحقيق معه، مشيرا إلى أن معظم السكان وجدوا أنفسهم في وسط الحرب، وهذا لا يعني عدم التحقق من هوياتهم.
وينقل التقرير عن شاب عمره 22 عاما هرب من القرية، قوله إن الوضع فيها مضطرب، مشيرا أن والده انضم لتنظيم الدولة للإنفاق على زوجاته الثلاث، حيث كان انضمامه لهم من أجل المصلحة والمساعدة التي يقدمونها لهم، ويستدرك الشاب قائلا: "لكنه حول حياتنا للجحيم".
وتورد الصحيفة نقلا عن شاب اسمه عصام (22 عاما)، قوله إن شقيقه انضم للجهاديين وحاول تجنيده، ويضيف: "قلت له لا ولم يجبرني، لكنه أصبح عقائديا، الناس متعبون وهم شرسون، ولو قبضوا عليك وأنت تدخن أول مرة يحذرونك، وفي المرة الثانية يجلدونك"، وكشف عن قميصه ليظهر آثار الجلد على ظهره.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه قبل الوصول إلى الموصل لابد من استعادة قرى في الطريق إليها، ولهذا لا يتوقع برزنجي التقدم نحوها هذا العام، قائلا: "نحن عسكريون ولا نحب التحدث بطريقة سيئة عن زملائنا، لكن أنظر لما تم إنجازه، وإلى المهمة التي تنتظرنا".