قرار التنحي المفاجئ الذي اتخذه رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو على خلفية خلافات بينه وبين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، أدَّى إلى تجدد النقاش حول ضرورة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، وأعاد الموضوع مرة أخرى إلى رأس قائمة الأخبار والتحليلات.
يرى بعض المحللين أن الوقت غير مناسب لطرح موضوع تغيير الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي، بحجة أن الشعب التركي رفض في الانتخابات الأخيرة تحقيق "حلم أردوغان" ولم يفوِّض حزب العدالة والتنمية لتغيير الدستور أو وضع دستور جديد.
تمرير التعديل الدستوري من البرلمان التركي ليصادق عليه رئيس الجمهورية دون عرضه على الاستفتاء الشعبي بحاجة إلى تصويت 367 نائبا على الأقل من أصل 550 نائبا لصالح التعديل. وأما عرض التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي فيكفي له أن يصوت 330 نائبا لصالح التعديل.
حزب العدالة والتنمية لم يحصل على عدد من مقاعد البرلمان يمكنه من تعديل الدستور، لا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو/ حزيران 2015 ولا في الانتخابات المبكرة التي أجريت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ويملك حاليا 317 مقعدا في البرلمان، إلا أن ذلك لا يعني أن الشعب التركي رفض تعديل الدستور نهائيا. ومن المؤكد أن الناخبين لم يفوضوا حزب العدالة والتنمية لتغيير الدستور وحده، إلا أنه بإمكانه أن يغيره من خلال التحالف مع أحد الأحزاب السياسية الأخرى المتمثلة في البرلمان أو بدعم 13 نائبا من نواب تلك الأحزاب.
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن شعبية حزب العدالة والتنمية تفوق حاليا الـ52 بالمائة، كما أنها تشير إلى تأييد أكثر من نصف الشعب التركي لتغيير الدستور. ويقول صاحب شركة "A&G" للدراسات، عادل غول، إن نسبة التأييد الشعبي للانتقال إلى النظام الرئاسي قد تصل إلى 60 بالمائة.. علما بأن غول هو الوحيد الذي كان يقول قبل الانتخابات الأخيرة، إن نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية تفوق الـ47 بالمائة، فيما كانت الاستطلاعات الأخرى تشير إلى حوالي 43 بالمائة.
حزب العدالة والتنمية حصل في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو/ حزيران الماضي على 40.87 بالمائة من أصوات الناخبين و258 مقعدا في البرلمان، ولم يتمكن من تشكيل الحكومة وحده، ثم أجريت الانتخابات المبكرة بعد حوالي خمسة أشهر، فحصل على أغلبية مريحة لتشكيل الحكومة وحده بعد فوزه بما يقارب الـ50 بالمائة من الأصوات و317 مقعدا في البرلمان، ما يعني أن نسبة من الناخبين تغيرت آراؤهم فقرروا التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، بعدما خيَّمت على
تركيا خلال تلك الأشهر الخمسة ضبابية سياسية أعادت إلى أذهان الناخبين حقبة الحكومات الائتلافية التي شهدت فيها البلاد أزمات سياسية واقتصادية لا أحد في تركيا يريد أن يعيشها مرة أخرى.
ما الذي دفع نسبة من الناخبين إلى تغيير آرائهم والتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية؟ مما لا شك فيه أن السبب الأول الذي دفع هؤلاء الناخبين إلى إعادة تقييم خياراتهم هو الشعور بخطر محدق يهدد أمن تركيا واستقرارها، والخوف من أزمة سياسية قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية وتدهور مستوى معيشة المواطنين.
المخاوف التي غيرت آراء نسبة من الناخبين وجعل حزب العدالة والتنمية يفوز في الانتخابات الأخيرة بنسبة عالية من أصوات الناخبين لم يكن يتوقعها أحد، ما زالت قائمة، وما زال هناك احتمال لعودة شبح الحكومات الائتلافية أو وقوع أزمة سياسية بسبب تصادم بين رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الوزراء المنتخب لوجود تداخل في صلاحياتهما. وخير دليل على ذلك تنحي داود أوغلو من رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية على خلفية خلافات بينه وبين أردوغان. وقد يأتي في المستقبل رئيس جمهورية أو رئيس وزراء لا يحرص على استقرار البلاد كما حرص عليه أردوغان وداود أوغلو، فيتسبب في تفجر أزمة اقتصادية كبيرة كالتي تفجرت في 2001، بعد وقوع مشادة كلامية حادة بين رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد في اجتماع مجلس الأمن القومي.
نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، نور الدين جانيكلي، صرح بأن الحزب سيقدِّم إلى البرلمان التركي في منتصف يونيو/ حزيران القادم حزمة من التعديلات الدستورية تحتوي على تغيير أربع أو خمس مواد، لمنح رئيس الجمهورية صلاحية تولي رئاسة حزب سياسي. وقد يشكل هذا التعديل - إن مر من البرلمان - حلا لإشكالية الرأسين وخطوة هامة نحو الانتقال إلى النظام الرئاسي. وإن بذل حزب العدالة والتنمية جهدا كافيا لشرح مدى ضرورة الانتقال إلى النظام الرئاسي لضمان أمن تركيا واستقرارها، فلن يجد صعوبة في إقناع أكثر من نصف الناخبين بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي.
* كاتب تركي.