قد يتصور البعض في 3 أيار/ مايو من كل عام، كما وعدت الأمم المتحدة، أنه يوم للاحتفاء، ويجب أن يتم فيه طرح آليات تفعيل الحماية الواجبة للصحفيين وحماية حقهم في أداء وظيفتهم وممارسة الحق الأساسي في الوصول للمعلومة وغيرها من الحقوق في نقل الأخبار وتداولها، كما جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ونص مادته الشهيرة التاسعة عشرة.. ولكن في عصرنا هذا أصبح من الترف الحديث عن حماية الصحفيين، تلك الحماية التي لا وجود لها إلا في القوانين والمدونات مثالية الصياغة، في زمن تم فيه استباحة الإنسان بل واستباحة حقه الأساسي في الحياة.
نعم يسقط الآن عدد قياسي من الصحفيين في سوريا واليمن ومصر وغيرها، ولكن هل لا ترى معي أنهم عبارة عن جزء من أعداد أكثر ضخامة لمدنيين أطفال ونساء وعجائز وشباب وشابات.....
فلقد تم استباحة الإنسان في سوريا وفي اليمن وفي
مصر؛ قبل استباحة الصحفي الذي يوثق هذة الانتهاكات وتلك الجرائم ضد الإنسانية التي يجب ألا تسقط أبدا؛ لأنها باقية في ذاكرة الشعوب، لا لأنها لا تسقط بالتقادم كما جاء في القوانين الدولية التي يجب أن نتساءل الآن عن جدواها؟!
حماية الصحفيين بالتشريعات الدولية تفترض أن الآخرين آمنون.... الواقع يقول إن المسافة بين المواطن وبين الصحفي أصبحت معدومة من حيث الحصانة والاستهداف... إنه زمن الاستباحة الكاملة، في واقع عالمي يتسم بالازدواجية الشديدة والميكافيلية وإعلاء القيم المادية لما يسمى المصالح العليا للدول عن تلك القيم والمبادئ والقوانين التي أصبحت تأتي جميعها في منظومة أدنى كثيرا، حيث انتهاك
الصحافة والكرامة الإنسانية أصبح مشهدا شبه يومي في منطقتنا المكلومة، ويتم بما يشبه الرعاية الأممية تحت سمع وبصر
المجتمع الدولي الذي فيما يبدو أصبح شريكا للديكتاتوريات في التنكيل بالإنسان في هذه المنطقة من العالم العربي.
وصمت هذا المجتمع الدولي عن مجاز العصر، كتلك الكارثة الإنسانية في سوريا أو اليمن أو مصر، يولد انطباعا لدى قطاعات كبيرة من مواطني هذه المنطقة يدفعها للتساؤل عن حقيقة وجود هذا النوع من الرعاية والرضا عن مثل هذة الممارسات، ويدفع هذا الشعور الكثيرين، وخاصة من الشباب، لإنكار الإيمان بجدوى منظومة العدالة الدولية، حيث يشاهد هؤلاء الشباب أن الحديث عن الحقوق والحريات هو حديث إعلامي لاستهلاك الشعوب، أما ممارسات حكوماتها فشيء آخر، وحدث ولا حرج!!!
تلك الحكومات ترعى بطرق مباشرة أو غير مباشرة مصالح أنظمة بعينها، بغض النظر عن ممارستها المجرمة التي قد تضعها تلك الحكومات (لا مؤاخذة أحيانا في إحراج أمام شعوبها)، فحديث الواقع يفصح عن مصالح تجمعها مع أي نظام ديكتاتوري مهما تلوثت يداه بدماء الأبرياء. وكلما ترسخت الديكتاتوريات وتوحشت، كلما سقطت حرية الصحافة أولا ثم كرامة الإنسان ثانيا.
ما يجري من انتهاكات يقتضي السؤال حول جدوى وجود ترسانة من القوانين المنضبطة الصياغة إذا كانت لا تقف وراءها إرادة سياسية تملك القدرة على إنفاذها... وربما يصح هنا التساؤل عما إذا كان الأمر متعلقا بالقدرة أم الرغبة.
من يرغب الآن فى حماية منظومة القوانين التي تحمي الصحفيين؟ أهي موسكو؟ أم واشنطن؟ باريس؟ لندن؟ بكين؟ أليست هذه العواصم هي أعمدة ما يسمى المجتمع الدولي؟ أليسوا جميعا متواطئين مع القتلة؟
إحصاءات الضحايا من الصحفيين ومن المدنيين في منطقة الشرق الأوسط تفضح فشل منظومة القوانين في الحماية، وهذا يطرح أسئلة جوهرية حول نجاعة وفاعلية منظومة القوانين الدولية، ومن ورائها ما يسمى بالشرعية الدولية.