كشفت صحيفة "الغارديان" عن عملية سرية لبريطانيا، تهدف إلى تثبيط المسلمين عن الانضمام إلى
تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن الحكومة قامت بسلسلة من العمليات الدعائية السرية؛ من أجل الدفع بما تراه "تغييرا في المواقف والسلوك" بين الشباب المسلم البريطاني، وكجزء من برنامج مكافحة التشدد.
ويشير التقرير إلى أن وحدة سرية في وزارة الداخلية قامت بتطوير عملية كلفت عدة ملايين، تقوم على توجيه رسائل مواجهة لرواية تنظيم الدولة "وبطريقة مكثفة وواسعة"؛ نظرا للقلق في دوائر الحكومة حول درجة الإقناع لدى تنظيم الدولة، مستدركا بأن العملية، التي تحمل اسم "وحدة البحث والمعلومات والاتصالات" (ريكو)، قد تثير غضب المسلمين، وستزيل من أذهانهم أي ثقة ببرنامج مكافحة التطرف المعروف باسم "
بريفنت"، الذي يواجه الآن انتقادات واسعة.
وتذكر الصحيفة أن الوحدة تخفي دور الحكومة البريطانية، وتقدم نفسها على أنها مبادرة لتقديم النصح حول كيفية دعم اللاجئين السوريين، حيث أدارت لقاءات شخصية مع آلاف الطلاب الذين كانوا يشاركون في زيارات تعريفية في جامعاتهم قبل انتظامهم الرسمي، ودون أن يعرفوا أنهم كانوا يشاركون في برنامج الوحدة.
ويلفت التقرير إلى أن الوحدة أطلقت اسم "ساعدوا
سوريا" على المبادرة، ووزعت 760 ألف ملصق، دون أن يعرف من قرأها أنها جزء من حملة الاتصالات، التي تقوم بها الحكومة ضد تنظيم الدولة.
وتكشف الصحيفة أن الحكومة اعتمدت على شركة اتصالات في لندن اسمها "بريكثرو ميديا نيت وورك"، التي أصدرت معظم المواد الدعائية من أشرطة فيديو إلى أفلام وصفحات "فيسبوك" ومواد لـ"تويتر" وراديو على الإنترنت، ببرامج مثل حقيقة تنظيم الدولة وساعدوا سوريا، مشيرة إلى أن شركة "بريكثرو" نظمت فعاليات في المدارس والجامعات، وعملت بشكل قريب مع المنظمات الإسلامية؛ لنشر الرسائل والحملات لتحدي المتطرفين، التي طورتها الشركة كجزء من العقد مع حملة "ريكو"، بالإضافة إلى أن الشركة ساعدت شركة أخرى للعلاقات العامة، التي روجت لعملها داخل منظمات العمل الاجتماعي والشعبي، وبين الصحافيين.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن جماعات في المجتمع المسلم قولها إن علاقتها مع "ريكو" هي المساعدة في إيصال رسالتها لقطاع واسع، ولهم الحق في التصرف بالمادة المتعلقة بمواجهة التطرف، مستدركا بأن المواد التي أنتجتها ريكو، واطلعت عليها صحيفة "الغارديان"، تظهر أن "ريكو" احتفظت بحق التحكم بالمادة المنتجة وخطها التحريري، حيث تشير وثيقة إلى أنها تتشاور مع مجتمعات العمل المدني في تطوير المادة، إلا أنها تحتفظ بحق المصادقة النهائية عليها.
وتورد الصحيفة نقلا عن موظف سابق في "بريكثرو" قوله إن الحملات التي صممتها الشركة تقوم على أهداف "ريكو"، وإن الحكومة كانت تشرف على المواد، وكان هدف البرنامج هو توصيلها إلى "أهداف بريفنت"، وهم المجتمع المسلم، خاصة الرجال في سن ما بين 15- 39 عاما.
وينقل التقرير عن مسؤول بارز في وزارة الداخلية، دفاعه عن عمل وحدة "ريكو"، حيث يقول:"كل ما نحاول عمله هو منع الشباب من التحول إلى اانتحاريين"، مشيرا إلى أن لجنة الأمن والاستخبارات، التي تقوم بالإشراف على عمل "ريكو"، ترى أن عملها هو عنصر مهم في استراتيجية "بريفنت".
وتنقل الصحيفة عن الوزير السابق الذي شارك في رسم استراتيجية مكافحة التطرف في حكومة الائتلاف أندرو ستانيل، قوله إن دعم الجماعات المعتدلة في المجتمع، التي تدعم الاعتدال، مقبول ومعقول، حيث أكد عدد من المسؤولين الحكوميين السابقين والعارفين بعمل "ريكو" أن المبادرة كانت جزءا ضروريا في جهود الحكومة لمواجهة دعاية تنظيم الدولة، ورفضوا الكشف عن هوياتهم؛ لأن العمل الذي شاركوا فيه كان سريا.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول سابق قوله إن من يشير إلى أن الحكومة قادرة على مواجهة تنظيم الدولة بدعاية علنية هو ساذج، لافتا إلى أن آخر أشار إلى أن الخداع الذي استخدمته الحكومة في إيصال رسالتها سيضر بعلاقتها مع المواطنين المسلمين، حيث يرى النقاد أن برنامج تغيير المواقف والسلوك قد يدمر، وبشكل خطير، العلاقات بين الحكومة والمسلمين.
وتنقل الصحيفة عن عمران خان، محامي حقوق الإنسان الذي مثل عائلة الشاب الذي قتل في لندن ستيفن لورنس، قوله: "إذا أرادت الحكومة أن يسمع لها فيجب أن تحصل على ثقة المسلمين، ويجب أن تكون صادقة، وما يحدث هو العكس، وهو خداع"، ويضيف خان: "بالإضافة إلى هذا، فإن على الحكومة وقف نظرتها للشباب المسلم البريطاني كأنهم طابور خمس يجب التصدي له".
وينقل التقرير عن نائب رئيس معهد العلاقات العرقية فرانسيس ويبر، قولها إن البرنامج يقوم بإضعاف وليس تقوية عمليات مجتمعات العمل المدني الإسلامية، في حال ظهر أن هذه الجماعات تعاونت مع برنامج الحكومة، وتضيف أن "المنظمات المجتمعية في ورطة، فهي إن رفضت الكشف عن دعم الحكومة لها فهي تخسر الثقة، وإن كشفت عن دعم الحكومة فإنها ستخسر"، وتتابع ويبر: "على الحكومة أن تسأل لماذا؟ والجواب هو أن نموذج (بريفنت) أصبح مشوها، حيث إن سياسة الحكومة تحاول إيصال أفكار ورسائل وتحديد ما هو مقبول وغير مقبول، وهذا يعد مدعاة للجريمة".
وتلفت الصحيفة إلى أن عددا من المسؤولين ممن لهم علاقة ببرنامج "بريفنت" عبروا عن شكوك في قدرة مبادرة "ريكو" وطريقة نشرها، حيث يعتقدون أن بعض مبادرات "بريفنت" تم التفكير بها بطريقة فقيرة، ولم تتعرض للتقييم، وقالوا: "(بريفنت) لا تحقق نتائج"، و"نعرف هذا أن (بريفنت)، التي (تعني منع)، لا تمنع
الإرهاب".
ويفيد التقرير بأنه بالنسبة لمبادرة "ريكو"، التي سجلت في سلسلة من الوثائق "ساعدوا سوريا" مثلا، تصف نفسها بأن هدفها "تقديم الإرشاد والمشورة لأي شخص يريد جمع المال لمساعدة سوريا"، وبأنها "مصممة ويتم تنفيذها وإدارتها بالنيابة عن (ريكو) والخارجية و(للتأثير على النقاشات بين الشباب المسلم)"، وتخفيف الرغبة بالسفر إلى مناطق تنظيم الدولة.
وتنوه الصحيفة إلى أن فريق "ريكو" ضم عددا من خبراء علم النفس والإنثروبولوجيين، بالإضافة إلى مسؤولين في مكافحة الإرهاب، وخبراء في استراتيجيات التسويق، حيث تصف الشركة عملها بأنه "اتصالات استراتيجية" وليس بروباغندا، مشيرة إلى أن شركة "بريكثرو" تقول إن أحد الأهداف الذي جعلها تتعاون مع برنامج "ريكو" هو تشجيع "ولادة هوية مسلمة متصالحة مع نفسها".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن الشركة ذهبت بعيدا في التعتيم على علاقتها مع وحدة "ريكو" الحكومية، حيث لم يتم تعيين عدد من الموظفين إلا بعد مرورهم بفحص أمني، ويطلب من الموظفين الجدد التوقيع على اتفاق سري غير قابل للكشف، لافتة إلى أن الشركة عرضت محو برامج الحاسوب بعد تقديم العمل لوزارة الداخلية، واستخدام هواتف نقالة يمكن وقفها في حالة فقدت أو سرقت.