بدا مسمى "الجيش العربي السوري"، اكتشافا، كما لو كان قادته وأفراده من "أهل بدر"، الذين اطلع الله عليهم، وهم يواجهون الكفر في قوته، فقال لهم: "اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم"!
فإزاء الجريمة التي أرقت الضمير الإنساني في حلب، انطلق الذين هم في كل واد يهيمون، وقد استشعروا اليتم برحيل الرئيس العراقي صدام حسين الذي كان ينفق عليهم "من وسع"، فوجدوا تجارة في بلاد الشام، فذهبوا إليها يبتغون منافع لهم، فدافعوا عن الجريمة بتبريرها تارة، لأن من قام بها هو "الجيش العربي السوري"، أو بنفي ارتكابها تارة أخرى، فـ "الجيش العربي السوري" لا يمكنه أن يقدم عليها، فهم في دفاعهم عن قاتل معترف، والاعتراف سيد الأدلة، علقوا الاتهام في رقبة كل التنظيمات المتحاربة، من تنظيم القاعدة، إلى تنظيم الدولة، إلى جبهة النُصرة!
ولأنه "الجيش السوري الحر"، الذي يبات مغفورا له، فهو إن ارتكب الجريمة ففي ارتكابه لها، إنما يتحرك من قواعد الحق، على نحو ذكرنا بمقولة "خير أجناد الأرض"، في وصف الجيش
المصري، وهو الوصف الذي يرفع في مواجهتنا ونحن نسعى للتميز بين المجلس العسكري والجيش المصري، وبين عبد الفتاح السيسي وجريمته في "رابعة" و"النهضة" ومذابحه الكثيرة، والقوات المسلحة المصرية. كنا ننزه الجيش، فيأبون إلا أن يجعلوا منه ساترا، ليحولوا دون الإمساك بالقاتل الحقيقي، وأكمل " صدقي صبحي" العزف الموسيقي بإعلانه أن القوات المسلحة المصرية تقف خلف القيادة السياسية!
في الاستدعاء لمسمى "الجيش العربي السوري"، تم التذكير بأنه جزء من الجيش المصري، على نحو يجعله جديرا بمقولة "خير أجناد الأرض"؛ فمنذ "الوحدة" قررت مصر، أن يطلق على الجيش في دمشق مسمى "الجيش الأول"، لتكون جيوش القاهرة هي الثاني والثالث الميدانيين، وبدا كما لو كنا أمام اكتشاف ثان، بعد اكتشاف "الجيش العربي السوري"!
ولا أعرف لماذا بعد انتهاء "الوحدة" لا يزال النظر للجيش المصري والسوري على أنهما جيش واحد، وليس جيشين، فقد سقطت "دولة الوحدة"، لأنها لم تؤسس على قواعد العدل والحرية من أول يوم، وتحولت لدولة ضرار، أراد بها العسكر في مصر، أن يسحبوا سوريا معهم إلى مستنقع الاستبداد والديكتاتورية، وحدث الانفصال في سنة 1961، لكن ما أعرفه جيدا أن سوريا إذا كانت قد اتخذت بعد الانفصال مبكرا اسم "الجمهورية العربية السورية"، فقد ظلت مصر تحمل اسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971، ولا يزال قانون نقابة الصحفيين المصريين رقم (76) لسنة 1970، الساري إلى الآن، يحمل هذا الاسم؛ إذ لا تزال مادته الخامسة تنص على أن من شروط القيد في النقابة، أن يكون المتقدم لطلب العضوية من "الجمهورية العربية المتحدة"، تماما كما لا يزال مسمي الجيش الأول قائما إلى الآن، كما لا يزال جيش الأسد يحمل مسمى "الجيش العربي"، وهو جيش طائفي، من عناصر الشبيحة التي تحمي الحكم العلوي هناك، ولو كان الثمن هو القضاء على كل الشعب العربي السوري!
وكأن هذه التسمية: "الجيش العربي السوري"، أو تلك: "الجيش الأول الميداني"، تبيح له القتل والتفجير، وتمنحه رخصة شرعية لأن يجعل عاليها سافلها ويهلك الحرث والنسل، ويدمر المنازل على رؤوس ساكنيها!
إن "الجيش العربي السوري"، انتهى بنهاية حرب أكتوبر وما نشاهده الآن هو مليشيات انتحلت صفة هذا الجيش، وسطت على اسمه، وهو جيش لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتل، وكان قائده عندما تحلق الطائرات الإسرائيلية فوق قصره، وتضرب أهدافا، ولأنه يعلم أنه لا يملك جيشا يصد العدوان، ويحمي الكرامة، يعلق بأن إسرائيل لن تحدد موعد الحرب، وباعتبار أن بابتلاعه المهانة، فقد انتصر في الحرب وحسم المعركة لصالحه!
هذا الموعد لم يأت أبدا، وهذا العجز هو الذي جعل إسرائيل تتمسك باستمرار بشار الأسد في السلطة، وتتوسط لحمايته في موقعه لاستكمال مهمة إنهاء الخطر المحتمل لسوريا، فـ "الجيش العربي السوري" يتولى المهمة بقتل السوريين وتدمير سوريا، مستعينا بالحرس الثوري الإيراني، ومليشيات حسن نصر الله، ويمثل غطاء للإجرام الروسي، في إنهاء سوريا ليبقى الأسد رئيسا على الأطلال، وتشعر إسرائيل بالأمان، فلا تخاف غدا إذا سقط الأسد، أو انتهى حكم العلويين، من أن يأتي من يمثل خطرا عليها، فقد تولى "بشار الأسد" مهمة إنهاء مكمن الخطر على خير وجه!
اللافت، أنه مرت علينا ليلة بنهار، لم نسمع فيها لذيول الأسد في المنطقة حسّا، والعالم يعاين حجم الجريمة في حلب، ويشاهد ضحاياه من الأطفال الذين تم تفجيرهم دون خجل أو وجل، كان واضحا أنهم يبحثون عن دفوع، فاستيقظوا متأخرين ليبرروا الجريمة، أو يدفعوا بها بعيدا؛ فمنهم من قال إن تفجير حلب تم بواسطة الإرهابيين، ولا نعرف ما هو سر صمت بشار الأسد، وكأن في فمه "سد الحنك"، وكان بإمكانه أن يدين ما جرى، ويعلن أن الإرهابيين لن يحددوا له موعد الحرب!
والسؤال هل يملك الإرهابيون الأسلحة المستخدمة في تدمير حلب؟ هل تملك القاعدة والنصرة وداعش البراميل المتفجرة والصواريخ حديثة الصنع التي دكت البيوت دكا؟!
لقد أعلن مجرم الحرب "بوتين" أنه اختبر الأسلحة الروسية المتطورة، مشيرا إلى أن إنفاق الأموال في حرب حقيقية أفضل من صرفها على المناورات!.
إن الجيوش عندما تتحول إلى أدوات قتل للشعوب، فإنها لا تعدو أن تكون سوى مليشيات تقوم على حماية زعيم عصابة، أو قاطع طريق، لا يغير من طبيعة الأمر أنها تنتحل صفة "الجيش الأول الميداني"، أو تحمل مسمى "الجيش العربي السوري".
ويستفتونك في الجيش العربي السوري.. قل مليشيات تحمي قاتلا.