كيف استورد المرشح المحافظ لعمدة لندن دعاية دونالد ترامب إلى بريطانيا؟

إذا نجحت حملة زاك جولد سميث، فستكون رسالتها إلى كل مسلم بريطاني أنه لا دور لهم إطلاقا في النظام الديمقراطي البريطاني.
 
حينما دخل المرشح المحافظ لمنصب عمدة لندن زاك جولدسميث ميدان السياسة البريطانية قبل حوالي عشرة أعوام، جاء معه بشيء مميز، فقد بدا نزيها ومتحررا من قيود التحزب.
 
وزاك هو ابن الملياردير الراحل جيمي جولد سميث. بعض الناس كانت ستفسدهم وتدمرهم النشأة في عائلة مدللة كعائلته. أما زاك فلا. لقد تغلب على سلبيات أن يولد المرء وينشأ في الثراء الفاحش (والذي يمكن في بعض الحالات ألا يقل هلاكا عن الفقر المدقع).
 
أعيش في حي تشيزيك غرب لندن على بعد خطوات من دائرة زاك جولدسميث الانتخابية. وبلغتني تقارير تفيد بأنه كان رائعا في مهمته كنائب في البرلمان عن دائرته. ولهذا السبب، وككثير من المحافظين، رحبت ببروز مرشح عن المحافظين لمنصب عمدة لندن ونويت أن أصوت له.
 
أما الآن فلن يقنعني شيء بالتصويت له. لقد تحولت حملة جولدسميث لخوض معركة انتخابات منصب العمدة إلى شيء مقزز ومنفر لم أر مثله في حياتي المهنية كصحفي.
 
لا يشبه هذه الحملة سوى حملتان، كلاهما كانتا قبل أيامي. أما الأولى فكانت للانتخابات التكميلية المشؤومة في دائرة بيرموندسي في عام 1983 حينما استهدف المرشح العمالي بيتر تاتشيل بسبب مثليته الجنسية. ورد السؤال التالي في إحدى المنشورات المجهولة التي وزعت في أرجاء الدائرة الانتخابية في الأسبوع الأخير من الحملة: "لأي ملكة ستصوت؟".
 
أما الأخرى فكانت حملة اسميثيك في عام 1964 أثناء الانتخابات العامة. في حينها ترشح بيتر جريفيثس عن المحافظين في مواجهة وزير خارجية الظل باتريك جوردون والكر. استخدم جريفيثس الحملة ليعبر عن موقفه تجاه الهجرة، وكان شعار المحافظين في حملته هو: "إذا أردت أن يكون جارك زنجيا صوت للعمال".
 
كانت تلك لحظة عار وشنار ليس فقط على حزب المحافظين بل وعلى بريطانيا بأسرها. نجحت خطة المحافظين الخسيسة في إلحاق الهزيمة بمرشح العمال جوردون والكر.
 
ما كان من رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون إلا أن طالب بمعاملة جريفيثس كما لو كان "أجذما برلمانيا"، وكان هذا هو حاله إلى حد كبير.
 
ومع مرور الزمن نفر منه حتى حزب المحافظين الذي كان ينتسب إليه. كان جريفيثس ما يزال عضوا في البرلمان عندما أصبحت محررا صحفيا في عام 1992، وأذكر أنه كان يشار به إلي، فقد كان يمشي في ممرات البرلمان وحيدا منفردا، متعصبا يثير الاشمئزاز لدرجة أن زملاءه النواب نفروا منه وتخلوا عنه.
 
لقد مارس المحافظون في عام 1964 لعبة الانقسام العرقي. ومع أن مثل هذه الأساليب نجحت على المدى القصير، إلا أنها تسبب في أضرار فادحة على المدى المتوسط والبعيد. وكانت قضية "اسميثيك" السبب الرئيس الذي جعل كثيراً من الناس يرون في حزب العمال حزب الفضيلة والنزاهة في ستينيات القرن العشرين وما تلاها.
 
كان بإمكان جولدسميث، لو أراد، خوض المعركة الانتخابية في مواجهة خصمه العمالي انطلاقا من القضايا الحقيقية التي تهم الناخبين في مدينة لندن مثل السياسات الخاصة بالنقل والإسكان، والتي تتصدر اهتماماتهم، وما من شك في أن برنامج خان الانتخابي يشتمل على نقاط ضعف قاتلة كان يمكن أن ينال منه بسببها.
 
إلا أن جولدسميث لم يفعل ذلك، وركز حملته بدلا من ذلك على دين منافسه خان، مدعيا أن خان صديق للمتطرفين ومدافع عنهم، ولا يمكن على هذا الأساس الوثوق به عمدة يدير شؤون مدينة عظيمة مثل لندن.
 
إنها ادعاءات سخيفة، فخان سياسي عمالي وسطي كرس حياته المهنية لخدمة رؤى وسطية، فقد صوت في البرلمان لصالح زواج المثليين، الأمر الذي أفقده تعاطف ودعم العناصر المحافظة داخل الجاليات المسلمة في لندن، كما صدع بمعارضته لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وهو معارض قوي للعداء للسامية، وطالما ناضل ضد القوى الرجعية وما يسمى بالتطرف وسط الجاليات المسلمة.
 
إلا أن كل هذا لم يكن كاف لحملة حزب المحافظين المؤيدة لجولدسميث، والتي لم تتوقف عن ضخ كم هائل من الدعاية المغرضة التي صورت خان كما لو كان رهينة لدى القوى الإسلامية الشريرة. والمقلق جدا أن هذه السياسة تصدر عن أعلى المستويات القيادية في حزب المحافظين.
 
قبل خمسين عاماً في اسميثيك لم يخطر ببال أحد أن يظن بأن زعيم الحزب آنذاك السير أليك دوجلاس هوم يمكن أن يقدم على تفويض جريفيثس باتخاذ المواقف العنصرية التي كان يتبناها. المفارقة هنا أن دافيد كاميرون في عام 2016 يمارس بنفسه وبكل حماسة سياسة التقسيم من خلال الدين. فبالأمس استغل رئيس الوزراء فقرة الأسئلة التي توجه إلى دخل البرلمان ليزعم بأن خان كان قريبا من سليمان غني، رجل الدين الذي يقطن جنوب لندن والذي يعتقد بإخضاع الإناث للرجال والذي يعارض اللواط.
 
يقال بأن حملة جولدسميث سارت على نهج رئيس الوزراء وبنت على تصريحه في البرلمان وقامت بتوزيع ملف يزعم وجود ارتباطات لخان مع المعادين للسامية ومع خطباء الكراهية والإرهابيين المدانين.
 
المزعج حقا في هذا الذي يجري هو غياب السياق. أيا كانت الحقيقة حول غني (الذي اعتبر لغة رئيس الوزراء "تشهيرا من أعلى المستويات") لقد تعمد كاميرون عدم ذكر أن غني هو إمام في المسجد المحلي الذي يصلي فيه خان.
 
لا مفر من أن يلتقي به خان من حين لآخر، تماما كما أن نواب حزب المحافظين لا مفر من أن يلتقوا من حين لآخر بقس محلي له آراء غريبة أو غير مقبولة. كل من سمع رئيس الوزراء كان يمكن أن يخرج بانطباع يفيد بأن خان يسعى وراء غني كما لو كان من تلاميذه أو من المتعاطفين معه.
 
ولكن الحقيقة هي أن مثل هذا التشويه الانتقائي مازال الأسلوب الذي ينتهجه المحافظون منذ البداية. فلابد أن السيد خان تعامل مع معظم من يسمون متطرفين وذكرهم جولدسميث في دعايته الانتخابية انطلاقا من كونه محاميا متخصصا في قضايا حقوق الإنسان.
 
ما الذي يحاول جولدسميث قوله؟ أنه لا ينبغي أن يسمح للمشتبه بضلوعهم في الإرهاب أن يحصلوا على تمثيل قانوني؟
 
ثم جاءت مداخلة وزير الدفاع مايكل فالون لتسبب قلقا أكبر مما سببته مداخلة كاميرون. فقد ذهب فالون يتذرع بالأمن الوطني ليقول إن تعيين خان عمدة لمدينة لندن أمر فيه مخاطرة. يخوض فالون في مياه خطرة إذ يشير إلى أن كون خان مسلماً فهذا يعني أنه سيكون مصدر خطر على البلاد.
 
مازلت أرى بأن جولدسميث رجل محترم، ولكنه ضعيف، سمح لنفسه بأن يقع فريسة لآلة سياسية لا خلق لها ولا مروءة. وإذا أراد أن ينقذ سمعته فإنه بحاجة في الحال إلى تغيير الاتجاه.
 
إن الوسائل التي ينتهجها حاليا تتعارض تماما مع التقاليد البريطانية. ومحاولة جولدسميث إثارة الانقسامات الطائفية من خلال استهداف جالية واحدة بعينها إنما يذكر بسيء الصيب مرشح الرئاسة الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب.
 
علينا أن نأخذ ما يلي في الاعتبار: إذا نجحت حملة جولدسميث فإنها ترسل رسالة إلى كل واحد من مسلمي بريطانيا مفادها أنه لا دور لكم في أي مكان في النظام الديمقراطي البريطاني.
 
لقد صوت باستمرار طوال حياتي للمحافظين، ولكني سأعتز بأنني سأصوت في ورقة الاقتراع الأولى وورقة الاقتراع الأخيرة للسيد خان عندما نذهب نحن اللندنيين لنختار عمدتنا بعد أسبوعين من الآن. وأنا أهيب بالجميع، بما في ذلك المحافظين، أن يفعلوا الشيء نفسه. لأن اللندنيين إذا صوتوا لصالح جولدسميث فإنهم سيرسلون رسالة مرعبة حول الديمقراطية في بريطانيا الحديثة.


(نقلا عن ميدل إيس آي)