هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في هذه اللحظة من التاريخ لا تحتاج إسرائيل إلى مشجعين بقدر ما تحتاج إلى من يصدح بالحق في وجهها
من هو السياسي البريطاني الشهير الذي نطق بهذه الكلمات حول العدوان الإسرائيلي: "ليس بإمكانك أن تكون انتقائياً في دفاعك عن القانون فتقولون: لا أريد ذلك القانون، وسألتزم بذلك القانون، وسوف لن ألتزم بالقانون الآخر".
الجواب: إنها مارغريت ثاتشر، لربما أكثر رؤساء وزراء بريطانيا دعماً لإسرائيل في القرن العشرين. ومع ذلك فلم تتردد ثاتشر في إدانة القصف الإسرائيلي للمفاعل النووي العراقي أوزيراك في حزيران/ يونيو من عام 1981، قبل ما يقرب من ثلاثة عقود بالضبط. وقامت ثاتشر أثناء حرب لبنان عام 1982 بفرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل استمر اثني عشر عاماً حتى 1994.
كانت بالتأكيد معجبة بإسرائيل ولكنها كانت تؤمن بأن على البلد أن يلتزم بالمعايير الأخلاقية الأساسية وبالقانون الدولي.
ويا للفرق بينها وبين الدعم العبودي الذي يبديه رئيس الوزراء بوريس جونسون لانتهاك إسرائيل للقانون ولما يزعم من ارتكابها لجرائم حرب خلال الشهر المريع الأخير في القدس وفي الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة. لم تصدر أي إدانة عن جونسون للتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في مناطق من القدس الشرقية المحتلة، ولا لهتافات اليهود الإسرائيليين المتطرفين "الموت للعرب".
ولم يكن هناك أي انتقادات للاقتحامات الوحشية الإسرائيلية للمسجد الأقصى ولا لقتل النساء والأطفال في غزة، ولا لاستهداف مركز إعلامي داخل القطاع المحاصر.
وفعلاً، يبدو كما لو أن آخر أثر لمشاعر تأييد الفلسطينيين يتم اجتثاثه داخل حزب المحافظين البريطاني. ويبدو كما لو أن مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين، الذي طالما رفع صوته تاريخياً دعماً للفلسطينيين، يتعرض لتهديد فتاك.
قصور غير مفهوم
قبل ستة أعوام كتبت باتريشيا موريس، التي كانت تترأس مجلس الشرق الأوسط داخل حزب المحافظين حينذاك، مقالاً جاء فيه: "ليس سراً، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار تاريخنا، أين يقف مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين تجاه مسألة فلسطين. والحقيقة الأساسية هي أنه إلى أن ينعتق الفلسطينيون من ظلم وامتهان الاحتلال، ويخرجون بدولة قابلة للحياة تتمتع بسيادة حقيقية تضمن للسكان حقوق الإنسان، فإن الصراع سيستمر".
كان ينبغي أن تكون أحداث الأسابيع القليلة الماضية لحظة حاسمة بالنسبة لمجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين، ومع ذلك فلم نشهد احتجاجاً، ولا جلسات استماع رسمية ولا إدانات. وعندما اتصلت بالرئيس الحالي للمجلس، نيكولاس سوميس طالباً تفسيراً لهذا القصور، لم أحصل على إجابة.
في نفس الوقت، بإمكاني أن أكشف عما يبدو أنه منظمة بديلة قيد التشكيل اسمها أصدقاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حزب المحافظين.
خلاصة ذلك كله أن حزب المحافظين بقيادة جونسون لم يعد يقدم دعماً مبدئياً لإسرائيل كذلك الذي كانت تقدمه ثاتشر، انطلاقاً من القيم المشتركة، بل تبدو حكومته مترددة في توجيه أي انتقاد لإدارة بنيامين نتنياهو، حتى بعد أن لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي في سبيل البقاء في السلطة إلى احتضان أتباع كاهانا المتطرفين.
ومع تهميش المجموعات المناصرة لفلسطين، فقد انفتح الطريق تماماً أمام مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، صاحبة النفوذ الكبير.
رحلات إلى إسرائيل
قبل ربع قرن تقريباً، وصف روبرت روديس جيمز، المؤرخ وعضو البرلمان عن حزب المحافظين، مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين قائلاً إنها "أضخم منظمة في أوروبا الغربية مكرسة لخدمة قضية شعب إسرائيل".
ما ذكره في 1995 ينطبق أكثر على الوضع في يومنا هذا، مع وجود فرق واحد ألا وهو أن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين باتت عرضة للاتهام اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها مكرسة لخدمة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل أكثر من خدمة قضية شعبها ككل.
تزعم المنظمة أنها تحظى بدعم ما يزيد على 80 بالمائة من أعضاء حزب المحافظين في البرلمان، وأن لديها دالة تغبط عليها على وزراء الحكومة، وأنها تتمتع بقدرة فائقة على استكشاف أصحاب المهارات. خذ على سبيل المثال وزيرة الداخلية بريتي باتيل التي كانت المسؤولة البرلمانية عن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، وبعد أن عقدت اجتماعات غير معلنة مع السياسيين الإسرائيليين أثناء "إجازة عائلية" في 2017، فقد أجبرت على الاستقالة من منصبها كوزيرة للتنمية الدولية.
في الأسبوع الماضي، نشر الصحفي مات كينارد في موقع اسمه "رفع السرية" تقريراً مذهلاً كشف فيه عن أن ما يزيد على ثلث وزراء الحكومة البريطانية، بما في ذلك بوريس جونسون، قاموا "برحلات إلى الخارج ممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية أو من قبل جماعات لوبي مرتبطة بها". وكان جونسون قد زار إسرائيل عندما كان نائباً برلمانياً شاباً في العام 2004، في رحلة ممولة بشكل مشترك من قبل الحكومة الإسرائيلية وجماعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين.
وذكر موقع "رفع السرية" أن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين نظمت "حافلة معركة" لصالح حملة جونسون لانتخابات منصب عمدة لندن في عام 2012. والمذهل حقاً، كما ورد في تقرير كينارد أن مايكل غوف، الذي يعتبر في دوائر الحكومة البريطانية في ويستمنستر فعلياً نائباً لرئيس الوزراء، حصل على تمويل من إيباك، جماعة اللوبي القيادية المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة، لزيارة واشنطن في عام 2017 (أثناء الفترة التي كان حينها لبرهة قصيرة خارج الحكومة).
أعتقد أن غياب الأصوات الفلسطينية داخل حزب المحافظين البريطاني باتت مشكلة كبيرة، وليس فقط لحزب المحافظين وبريطانيا أو الفلسطينيين – وإنما أيضاً لإسرائيل نفسها. ففي هذه اللحظة من التاريخ لا تحتاج إسرائيل إلى مشجعين بقدر ما تحتاج إلى من يصدح بالحق في وجهها.
الاستماع للفلسطينيين
قبل ثلاث سنوات سألت الرئيس البرلماني لمجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين عما إذا كانت منظمته قد انتقدت إسرائيل في أي وقت من الأوقات، فلم يتمكن من إعطاء مثال واحد على ذلك. ويوم الأربعاء كتبت تارة أخرى لمجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين وطلبت منهم أمثلة لأي انتقادات صدرت عنهم لإسرائيل، فلم أتلق جواباً.
تصر مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين على أنها كنيسة تسع الجميع، وأن هدفها المصرح به كمنظمة بريطانية هو تحسين العلاقة بين المملكة المتحدة وإسرائيل. وأنها لا ترتبط إطلاقاً بأي حزب سياسي داخل إسرائيل، وتعمل مع الجميع بهدف التأكيد على القضايا الإيجابية المتعلقة بالتجارة والعلوم والتكنولوجيا (ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك العمل المشترك في مكافحة جائحة فيروس كورونا).
حسبما أعلم لم تقم المجموعة بالتحذير من الأضرار التي تسببها المستوطنات لعملية السلام. ولم يحصل أن انتقدت العنصرية المكشوفة التي تمارسها حكومة نتنياهو، ولم تنتقد قانون الدولة القومية الذي صدر في عام 2018، والذي يفضي فعلياً إلى إقامة صنفين من الجنسية الإسرائيلية – أحدهما لليهود والآخر للعرب. بل بدأت مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين تبدو كما لو كانت فرعاً لندنياً لحزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
وهناك مجموعة أخرى تسمى ’أصدقاء فلسطين‘ في حزب المحافظين، تأسست في عام 2019 وينتمي إليها بضعة من أعضاء المجالس البلدية التابعين لحزب المحافظين. وبقدر ما تمكنت من معرفته، فإنه لا يوجد من بين أعضائها عضو واحد من أعضاء البرلمان المحافظين الذين يبلغ عددهم 365.
على كل حال أمامنا اختبار جديد على الطريق. ففي شهر آذار/ مارس الماضي، فتحت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية فاتو بنسوده تحقيقاً في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبت في فلسطين. في هذه الأثناء لاحظت منظمة هيومان رايتس واتش أن جرائم حرب جديدة قد تكون ارتكبت خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي شهر نيسان/ أبريل، وجه بوريس جونسون خطاباً إلى مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين ينتقد فيه تحقيق محكمة الجنايات الدولية قائلاً إنها أعطت "الانطباع بأنها تشن هجوماً متحيزاً ومجحفاً ضد صديق وحليف للمملكة المتحدة".
وكان وزير الخارجية دومينيك راب في إسرائيل الأسبوع الماضي. وآن له أن يستمع إلى أصوات الفلسطينيين بدلاً من الاكتفاء بأصوات حكومة نتنياهو ومن يلتمسون لها الأعذار.
غوانتانامو: علامة باقية على الهمجية التي مورست ضد المسلمين الأبرياء