كان بإمكان بعض قيادات الإخوان المسلمين في الأردن حتى وقت قريب، أن ينكر وجود أزمة حقيقية تمر بها الجماعة، على الصعيد الداخلي الإخواني، أو على الصعيد الداخلي مع النظام، ويرى هذا الفريق من القيادة، أن ما تشهده الساحة الإخوانية في الأردن، لا يعدو أن يكون حالة طبيعية تمر بها كل التنظيمات، والجماعات، والأحزاب، فهي فتنة لتمحيص الصف الذي تجاوز عمره السبعين عاماً، ومازال في طور التمحيص، وتمييز أبنائه، الذين زادت أعمار بعضهم التنظيمية على أربعين سنة، وبلغوا في التنظيم مراتبه العليا.
لكن هذا الفريق القيادي كان يصر على حديث الابتلاء والمحن التي هي قدر الدعوات الربانية، والتي سرعان ما تتعافى بعدها الجماعة، وتخرج منها أشد مضاء، وأقوى عوداً وتماسكاً، حيث لا وجود في قاموسه لأخطاء فادحة ترتكبها القيادة أو ارتكبتها، هي التي أوصلت الجماعة إلى هذا الوضع المتأزم، ووضعتها في عنق الزجاجة، بل لا وجود في قاموسه لمثل هذه المفردات على الإطلاق، فالأخطاء اجتهادات، والأزمة ابتلاء، وعنق الزجاجة فتنة.
لم يعد بإمكان أحد اليوم، وبعد شمع مقرات الجماعة في الأردن بالشمع الأحمر- وهو أمر حذرنا من الوصول إليه، وأزعجنا وأقلقنا الوصول إليه، وأنكرنا على من قام به- أن ينكر وجود مأزق كبير، تعيشه الجماعة، أو على الأقل أن يقلل من خطورة المرحلة التي تمر بها، وبات البحث عن مخرج ضرورة ملحة، ومطلباً كبيراً، تقف الجماعة أمامه بحالة من الذهول والتردد بين التصديق وعدمه.
لكن للأسف ما زالت هناك أصوات تؤكد على استمرار نهج التعامي عن واقع الجماعة، وما تمر به، وما وصلت إليه على الصعيد الداخلي، الذي أغرى بها خصومها وأعداءها على حد سواء، وتؤكد أيضاً غياب قراءة المشهد قراءة صحيحة، تعينهم على اتخاذ القرارات المناسبة، التي تحد من خطورة الوضع القائم، وترشد المواقف المتوترة، فكان قرار الجماعة المضي في إجراء الانتخابات الداخلية رغم قرار المنع، مما أدى إلى تطور قرار المنع إلى قرار إغلاق المقرات، وشمعها.
وهذه الأصوات للأسف مازالت في حالة علو وحدة، ونخشى مع تعاليها وحدتها أن تزيد الأمر سوءاً، فتعمل على تطوير قرار الإغلاق إلى قرار الاعتقالات والسجون، والفصل من الوظائف، ولا أستبعد هنا أبداً أن يشن علي البعض هجوماً ساحقاً ماحقاً، متهماً إياي بالخور والضعف والجبن، وسوء الخاتمة، والعياذ بالله، والنكوص على عقبي، بسبب هذا الكلام، الذي يتنافى مع فقه الصبر وقت الشدائد والابتلاءات، ويريدنا هذا البعض أن نرحب معه بسعة صدر، وقوة جنان، بالسجون والمعتقلات، وأن نصمت عن مناقشة الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه المآزق، على أساس أنها اجتهادات يؤجر أصحابها، وابتلاءات لا بد منها، فهي سنن ثابتة لا تتحول ولا تتغير، ناسياً هذا البعض أن القيادات بشر تصيب وتخطئ، تنشط وتكسل، تنتخب وتعزل، تنجح وتفشل، تنتصر وتهزم... فلا يراهم إلا مجتهدين مأجورين، والوقت لا يحتمل نقداً أو لوماً، بل لا بد من التحام الصفوف، وتجديد البيعة، في مثل هذه الأوقات الصعبة، وإن كانت بسبب اجتهادات خاطئة، وعناد فاشل، وقرارات كارثية.
لست مع الإسهاب الآن في الحديث عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هنا، ووضعتنا في عنق الزجاجة، فللأمر وقت لاحق لا بد منه، وبجدية تؤسس لمرحلة أخرى، إن أريد لهذه الجماعة الاستمرار، واستئناف حياتها من جديد، والاستمرار لا أراه في الصبر في ميدان الابتلاءات، بل في الثبات والفاعلية في ميدان الإصلاح والتغيير، في مجتمعاتنا، ضمن رؤى وخطط وبرامج معدة ومدروسة.
المهم الآن البحث عن مخرج مناسب، يحاصر الشرخ فلا يتسع، ويوقف النزف، فاستمراره موت وهلاك للجميع في الحقيقة، للجماعة وللوطن والأمة، فلسنا بوارد التغزل بالجماعة ومنجزاتها وآثارها وأدوارها الكبيرة التي قامت بها خدمة للأمة والوطن، فلا ينكر هذا إلا جاهل أو متربص.
ومن المناسب هنا أن نؤكد على ضرورة التقاط الأنفاس، وتهدئة الخواطر، وعدم الانجرار وراء الشعارات البراقة، والهتافات الزائفة، وإن كانت في حقيقتها صحيحة، غير أن واقع مرددها هو الذي يؤطرها، فإما أن تكون زائفة بواقعه، أو حقيقية بواقعه أيضاً.
البحث عن المخرج المدروس باعتقادي ضرورة وطنية، وفريضة شرعية، ومصلحة مجتمعية، وعلى العقلاء من أبناء الجماعة، وغيرهم من أبناء الوطن كله، بكل أطيافه، أن يتداعوا للبحث عن مخرج يحفظ الوطن والأمة، ولا يوصلنا إلى ما وصل إليه الآخرون، بسبب قرارات تعسفية تتخذها الحكومة، وتتغول فيها، وقرارات أخرى تتخذها الجماعة وتصرعليها، فالوطن وأمنه واستقراره مسؤولية الجميع.
فلعل التحرك المجتمعي، بوجهائه وحكمائه ورموزه وعقلائه، يعجل في إيجاد حل مناسب، يحفظ للوطن أمنه، وللجماعة مكانته الوطنية المقدرة، ويرد الأمور إلى نصابها، تحرك مجتمعي إصلاحي، وليس تحركاً قضائياً للفصل وتوجيه التهم، وتحديد التجاوزات، من منطلق أن الجميع شركاء في مركب واحد، فلا بد من تفاهم وتصالح وتواصل حقيقي بين كل الشركاء على ظهر هذا المركب، الذي يسير اليوم وسط محيط هادر، وفي خضم بحر مائج، تتقاذفه الأمواج من كل جانب، فالواجب يقتضي من الجميع حكومة وجماعة أن يكون على مستوى المسؤولية.
وأنا أعتقد أن ليس بمقدور الحكومة بكل أجهزتها وإمكانياتها وقدراتها في ظل هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة أن تنهي الجماعة، وتمسحها من الواقع الأردني، حين تغلق المقرات، وتتخذ بعض القرارات، فهذا أمر محال هي تدركه، وليس بمقدورها أيضاً أن تضعها رغم أنفها في (ثقب) جمعية باركت ترخيصها، وسهلت لها السبل، والكل في الحقيقة يدرك الأسرار الكامنة، وما يجري خلف الجدران المغلقة، وليس بمقدور الجماعة أن تتحدى، أو أن تمضي بعيداً في التحدي، غير أن هذه الحالة ستخلق حالة من التوتر والقلق الذي سيعاني منه المجتمع كله، ولا قدر الله قد تتطور الحالة إلى شيء لا يحمد عقباه، ولا أحد من كل الأطراف يتمناه، غير أن الظلم والقسوة ومصادرة الحريات، في ظل المعاناة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية التي يعاني منها كثير من أبنائنا، قد تؤسس لردات فعل، لن تصيب غير استقرارنا وأمنه، وتشمت بنا المتربصين من أعداء الوطن جميعاً.
وعلى الصعيد الداخلي للجماعة باعتقادي عليها أن تبادر لاتخاذ بعض الخطوات المهمة التي من شأنها أن تؤسس لإيجاد مخرج مناسب لهذه الأزمة، ولعل الخطوة الأولى التي يجب أن تتخذ إبطال نتائج الانتخابات الداخلية التي أجريت مؤخراً، وإقالة القيادة الحالية وإبعادها عن دفة القيادة، مع احترامي الشديد لشخوصها ولاجتهاداتهم وتضحياتهم، غير أن الجماعة أكبر من الأشخاص، ومصلحتها معتبرة ومقدمة على غيرها، ومن ثم تشكيل قيادة أزمة طارئة ومؤقتة، يتم التوافق عليها، وعلى مهامها، والتي يأتي على رأس أولوياتها وضع خطة مناسبة خلال فترة زمنية لا تقل عن سنة، ولا تتجاوز العامين، لإنقاذ الوضع، وترشيد المسيرة، وتصويب الأخطاء، والتأسيس لمرحلة جديدة، ويا لها من مهام شاقة، ومرحلة حرجة.
احسنت وبارك الله فيك والى مزيد من التحرك الشخصي من قبلك والخيريين من الاخوه امثالك وهم كثر التداعي والعمل الجاد لدراسة كافة الوسائل الممكنه للخروج من هذا المأزق وحماية اخواننا وجماعتنا ووطننا الاردن من عواقب لا يحمد عقبها واثرها لا محال على الجميع وهذا يتطلب زيارة اعيان الاخوان وقياداتهم السابقه والحالية وتشكيل وحده قوية من جميع الاطياف الاخوانيه للاسف لوضع حد لمن يتعالى ويصم اذانه عن سماع النصح والراي واعتبار ما يجري سحابة صيف عابره .
والله من وراء القصد
إخواني
السبت، 16-04-201608:44 م
يبدو أن الكاتب لا زال يراوغ بعيدا عن الحل وهو الاستفادة من اللافتة القانونية