دائما ما كانت كلمة القهر بقافها القوية تستوقف أذني لغويا وكنت اسمعها كثيرا في التغطيات الصحفية التي تأتينا من الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يعيش الناس حالة من القهر الذي لا ينتهي وتبادرك الكلمة لغويا على لسانهم لتلحظ تكرارها بنسبة كبيرة فى مجمل حديثهم وكأنها لازمة فى حديثهم ولكنها ظلت بعيدة عن تصورى الوجدانى حتى عشت معانيها مؤخرا بكامل وجداني.
نعم كانت ليلة من القهر تتحول فيها تلك المفردة اللغوية إلى واقع وجداني ومشاعر حية تفوق دلالاتها المعجمية والقراءة عنها في سطور أو وقع سمعها في تتردد في تراكيب وجمل وعبارات لشخص مقهور وحتى كتابة هذة السطور تغمرنى لحظة إنكسار للروح ولربما بعدى عن وطنى هو ما عظم فى روحى هذا الإحساس الموجع لأنك فى الغربة تعيش على أمل حق العودة ولحظة تضميد جراح نفسك بلقاء الوطن ذلك البلسم الروحى بكل ما يحمله لك من مدلولات وعلاج للنفس والروح والجسد.
ولاننى ادرك أن اللغة كائن حى يشعر ويحس فتحت المعاجم المعاجم للبحث عن مرادفات القهر فوجدت كل ما اشعر به ويترجم ما نعيشه من لحظة إنكسار حقيقى فالغوص فى معنى القهر جعلنى استكشف كل تلك المعانى التى نعيشها بمناسبة تلك الليلة الحزينة للتخلى عن أجزاء من جسد الوطن وتراب غالى وثمين دفع ثمنه عظام ابناء وجنود هذا الوطن دماء وعرق وملحمة تضحيات تحفل وتشرف كتب تاريخنا بعطرها الدائم والذى لن تلوثة أزمنة الجفاف والمجاعة.
إذْلال، إِجْبار، إِجْحاف، إِحْتِقار، إِخْضاع، إِخْناع، إِرْغَام، إِزْدِراء، إِسْتِحقار، إِسْتِعْباد، إِضْطِرار، إِضْطِهَاد، إِكْراه، إِلْزام، إِنْتِصَار، إِهانَة، انتصارٌ عَلى، بَغَى، بَغْي، تَسَلُّط، تَضْييق، تَطْويع، تَعَسُّف، تَغَلُّبٌ عَلى، جَبْر، جَوْر، خَسْف، رَغْم، سَيْطَرَة، سَيْطَرَةٌ عَلى، ضَبْط، ضَغْط، ضَيْم، ظُلْم، عُنْوَة، غَصْب، غَلَبة، سَلْب، نَهْب......
مع كل تلك المعاني والمفردات التى يجب الوقوف عند كل مفردة منها على حده لأنها مرآة حقيقية لما نعيشه من واقع سياسى وإجتماعى وترجمة لمرارة تداعيات حكم الفرد وغياب المؤسسات أو تغيبها وتضليل البعض فى إدعاء دمج السلطات فى الفترات الحرجه كما جاء على لسان رئيس البرلمان عصفا بكل بكل ما تعلمناه من منطق قانونى ودستورى فى كليات القانون ولذلك كان إقتراحى أن يتم التنازل أو البيع العلنى طوعيتا لمدرجات كليات القانون وذلك لدمجها بكليات التجارة لتخريج دفعات مؤهلة علميا ونفسيا لدورالخبير المثمن والجاهز للبيع فى أى وقت وبأى عرض بيع ولتتلاشى للأبد كل تلك القيم الأخلاقية والقانونية التى تعلمناها وكل كلاسكيات القومية والوطنية وأغانى الموت فداءا للأوطان.
نعم
مصر الوطن في أزمة حقيقية وفى مرحلة ضعف وإنقسام مجتمعى وسياسى لم نشهده من قبل وحتى فى الستينات ومرورنا بنكسة 1967 ومن الواجب هنا أن نتذكر أن الجيش المصرى وقتها حارب من أجل تيران وكانت معارك شرف وعزة ولذلك لم نعرف على المستوى المجتمعى مثل هذا الإهتراء والتفتت والتشرذم الداخلى فبرغم صدمة الإنكسار العسكرى وقتها ولكن ظلت اللحمة الوطنية وتكاتفت كل مكونات المجتمع من أجل الدفاع عن تراب الوطن ومقدساته ومازالت فى القلب والعقل حكايات الأجداد عن تلك الفترة وشد الحزام على البطن ووقتها كان العدوواضح والمعالم لا تحتاج لإعادة ترسيم تتم بين ليلة وليل لم يطلع صباحه بعد!!!
وبرغم إنكار البعض أن هناك شبهة إستغلال لحاجة مصرالإقتصادية فى هذة المرحلة الحرجة التى تمر بها مصروتفاقم الأزمات الإقتصادية والمهددات الأمنية ولكن من يستطيع حجب الحقيقية فى سماء مفتوحة وعالم الإنترنت الغير محدود والذى لا يعترف بحجب المعلومة ولا يجد مبررا منطقيا وعاقلا لإعتماد الرواية الرسمية غير المتماسكة؟!!!
ويظل نزيف الدماء فى سيناء والوضع الشائك والمعقد لأرض الفيروز التى يدفع سكانها وتدفع معهم مصركلها ثمن إخفاقات الأنظمة الحاكمة التى تراكمت منذعقود وتراخت معها مفاهيم السيادة الحقيقية وغياب ملف تنمية سيناء الذى لم يتم فتحه منذ إتفاقية كامب ديفيد والتى حررت سيناء على الورق ولم تتجاوزه لما بعد النصوص لواقع ملموس وإستراتيجية وإرادة سياسية نافذة قادرة على تحقيق كامل السيادة وفتح ملف تنمية وتعمير سيناء واعتقد أن الرسالة الآن اضحت اكثروضوحا فلا ناصرعائد ليحارك من أجل تيران وحماية أمننا القومى المائى ولا مصرالآن قوية وقادرة على لملمة نفسها للدفاع والبناء وليتم إستبدال معايير السيادة بميزان التجارة والترويج للمشروعات العملاقة فى زمن الركود وتفريعة قناة السويس بالأمس القريب ليست بعيدة عن حلم الجسرالجديد ،فرفقا بمشاعرالفقراء والمعذبين والمقهورين فى الأرض من المصريين.
والعزاء الوحيد في هذة الظلمة أنك ستكتشف قلة عدد مروجى البيع وهم آكلى كل الموائد بينما البسطاء من المصريين المهروسين تحت الظلم والفقر والبطالة وهم الأغلبية الساحقه تجوع ولا تأكل بثمن الأوطان.
والأهم أننى اكتشفت أضداد كلمة القهر: إباحَةٌ، إعطاء الحريّة، إقْساطٌ، إِجلالٌ، إِخْتِيارٌ، إِسْتِكْبارٌ، إِصْطِفاءٌ، إِعْطاءُ الحُرِّيَّة، إِكْبارٌ، إِندحارٌ، إِنْتِخابٌ، إِنْتِخَالٌ، انتقاءٌ، اندحارٌ، انكسارٌ، اَجْتَبَاءٌ، تَأَبُّهٌ، تَحْلِيلٌ، تَخْيير، تَخْيِيرٌ، تَسَامُحٌ، تَعْظيمٌ، تَفْخيمٌ، تَفْضِيلٌ، تَمَرُّدٌ، تَمْكينٌ، تَنَخُّلٌ، رَحْمَةٌ، سَماحٌ، شفقةٌ، عصيانٌ، عَدالةٌ، عَدْل، عَدْلٌ
وبالعدل وحده نستطيع أن نخرج من القهر الوجدانى والسياسى لجسور بناء الإنسان والأوطان ويوما ما سنعود من جديد لستر جراح الوطن.