"مثل أصوات الموسيقى، بات يعتاد الأطفال والنساء أصوات التفجيرات وإطلاق النار وتحليق الطائرات في شمال
سيناء المصرية"، بهذه العبارة تحدث نعيم جبر، أحد مشايخ تلك المدينة، للأناضول، عشية تلك التفجيرات التي طالت آلية شرطية، وراح ضحيتها على الأقل أربعة قتلى وجرحى، في حادث هو الثاني خلال 24 ساعة.
وأول أمس، أعلنت الداخلية مقتل شرطي، وإصابة اثنين، جراء تفجير مجهولين لآلية عسكرية، بعد ساعات من إعلان الجيش المصري قتل 65 مسلحا في مناطق بشمال سيناء، في ثاني استهداف، بعد أسبوع من إعلانه قتل 60 آخرين في تلك المناطق، بالتزامن مع إعلان تنظيم بسيناء يتبع تنظيم الدولة مسؤوليته عن قتل جميع أفراد كمين الصفا بالعريش في 19 آذار/ مارس الماضي، وعددهم 18 شرطيا، وبث فيديو يكشف استهدافه للكمين.
ووفق حديث جبر، فإنه "لا يمر يوم بالفعل دون سماع تلك التفجيرات أو المواجهات العسكرية، أو رؤية قتلى يتساقطون"، مضيفا: "للأسف اعتدنا هذا، ولا يوجد استقرار في سيناء في ظل ما نرى".
وأشار إلى أن "الإرهاب يجب مواجهته بالتنمية في سيناء، التي لم ترها منذ سنوات طويلة، عبر مشروعات صناعية وزراعية وتعدين، وهذه أهم نقطة في محاربة الإرهاب، بخلاف المواجهة الأمنية"، مشددا أن الوضع في سيناء لا يمكن الانتظار أمامه واعتبار مواجهة المعوقات مؤجلة للتنمية.
ونقلت الوكالة الرسمية المصرية، السبت، عن رئيس قطاع ملاحات سبيكة في شمال سيناء، ممدوح سلام، أنه يتم حاليا إنتاج نحو 50 بالمئة من الطاقة الإنتاجية للملاحات التي تنتج أجود أنواع الملح؛ بسبب الظروف الحالية في المحافظة، التي أثرت على تشغيل ميناء العريش البحري والمعديات وجسر السلام على قناة السويس".
وتقول تقارير غير رسمية إن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي تزايدت فيها العمليات العسكرية الرسمية، والعمليات المسلحة التي يشنها مسلحون، تحت ذرائع عديدة، بينها تزايد أعداد المعتقلين بسيناء، والتعسف الأمني مع نساء سيناء، وراح ضحيتها المئات، وفق تقديرات غير رسمية.
وفيما نقل "المرصد السيناوي لحقوق الإنسان" (غير حكومي)، أن 64 حالة انتهاك أمني تم رصدها بحق المواطنين في سيناء، خلال الربع الأول من العام الحالي 2016، تحدث المرصد المصري للحقوق والحريات التابع للجنة العدالة (جمعية سويسرية مستقلة ومقرها جنيف) عن
الانتهاكات التي ترتكب من قوات الجيش والشرطة بحق النساء في شمال سيناء، والإهدار غير المحدود للحقوق الآدمية للمواطنين، والإهانة الفظة للأعراف السائدة في المجتمع البدوي على مدى عقود من الزمان تساعد على النمو السرطاني للإرهاب، وفق بيانين الجمعة.
من جانبها، قالت منى برهوم، الناشطة السيناوية، للأناضول: "هناك تجاوزات فردية تحدث، وطالبنا بشرطة نسائية للتفتيش، ويجب ألّا تتخذ كحجة أو تبرر لاستهداف الجيش وأمن سيناء".
واعتبرت برهوم ما يحدث في سيناء من تصاعد لأعمال
العنف شبه اليومية بأنه "سيطرة مفقودة وراءها مخطط وأطماع في سيناء، ولكن سيناء مصرية، وستبقي كذلك مهما حدث".
وطالبت برهوم بثلاثة أمور تسير على التوازي لمواجهة العنف في سيناء المصرية، هي: "المواجهة الأمنية، والتنمية، وتأمين الحدود".
أما البرلماني السابق عن سيناء، يحيى عقيل، فقد حذر في بيان صادر عنه، مساء السبت، من وجود سيناريوهات خطيرة تمس سيناء؛ جراء ما يحدث فيها من عنف، بينها تهجير أهالي سيناء أو احتلالها، محملا السلطات المصرية مسؤولية ما يحدث.
وتساءل عقيل في بيانات سابقة، عقب حوادث عنف مماثلة: "ماذا تنتظر الحكومة إذا أصبحت حالة القوات بهذا التردي حتى تغير سياستها في سيناء، كم سيكفيها من الجنود والضباط يموتون حتى تراجع سياستها؟".
وأضاف : "ألا تستدعي الحالة التعامل مع سيناء كملف أزمة، وطرحه للنقاش المجتمعي، والبحث عن حل يحافظ على الأرواح ويحفظ أمن المواطن ويحفظ سيناء مصرية، والكف عن استخدام فزاعة الإرهاب ووصم الناس الأبرياء به، والكف عن توسيع دائرة الاشتباه، واستهداف المدنيين، وتلفيق التهم، واستعداء المواطنين ضد الجيش، وفتح حوار شامل، والاستماع إلى كافة الآراء، ومناقشة كل القضايا، ورفع كل المظلوميات".
أما علاء عز الدين، المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية في أكاديمية ناصر العسكرية (رسمية)، فقال في حديث للأناضول إنه "لا وجود لتنظيم داعش في سيناء، ولكن تنظيمات تتمدّد في سيناء معنويا؛ بادعاء ارتباطها بداعش وما تراه من نجاحات له في دول أخرى".
وأشار إلى أن هذا العمليات الإرهابية "تحاول إثبات وجود فقط "، لافتا إلى أنها "محاولات الرمق الأخير من تنظيمات إرهابية، في ظل حرب ممتدة من الجانب العسكري والأمني بمصر".
وأوضح أن الإرهاب ليس موجودا في سيناء فقط، ولكن مصر تدفع ثمن استقرارها، داعيا لاستمرار مواجهته بالسلاح والتنمية والفكر.
ولفت إلى أن القوات المسلحة قامت بعمليات كبيرة ضد المسلحين، وتسعى مع الحكومة لتنمية سيناء، وهذا كله سيكون سببا كبيرا في استقرار الأوضاع في سيناء قريبا.
وكانت القوات المسلحة المصرية أعلنت، في أيلول/ سبتمبر الماضي، انتهاء المرحلة الأولى من العملية العسكرية التي أطلقت عليها اسم "حق الشهيد"، للقضاء على ما أسمته بـ"البؤر الإرهابية" في مناطق متفرقة بشمالي سيناء، معلنة في الوقت ذاته تدشين "المرحلة الثانية" من العملية؛ بهدف تهيئة الظروف المناسبة لبدء أعمال التنمية بسيناء، التي تنشط فيها عدة تنظيمات، أبرزها "أنصار بيت المقدس"، الذي أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 مبايعة أمير تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، وغير اسمه لاحقا إلى "ولاية سيناء".