استضافت العاصمة القطرية الدوحة يومي 7 و8 شباط/ فبراير 2016 اجتماعا بين حركتي
فتح وحماس، للوصول إلى اتفاق ينهي حالة الانقسام
الفلسطيني المستمرة منذ تسع سنوات. وتأتي هذه المباحثات بعد فشل تطبيق إعلان الشاطئ الذي وقعه الطرفان في 23 نيسان/ أبريل 2014، حيث اتفق الفصيلان حينها على البدء بإجراءات تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال مدة لا تتجاوز الخمسة أسابيع، وتحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة، وأنيط بالحكومة مسؤولية إيجاد حل لقضية المعتقلين السياسيين وتفعيل العمل باتفاق القاهرة 2011 واتفاق الدوحة 2012، إلا أن الإنجاز الوحيد الي تم في الاتفاق هو تنفيذ حكومة الوفاق الفلسطيني، مما فُسر بعد ذلك بأن الاختلافات بين الحركتين أكدت أن حالة الانقسام متعمقة بين الطرفين لوجود العديد من نقاط التصادم والاختلاف.
وفي اليوم التالي لانتهاء جولة اجتماعات الدوحة بين الوفدين، التي رأسها عزام الأحمد عن حركة فتح وخالد مشعل عن حركة حماس، صدرت تصريحات عن المجتمعين بالتوصل إلى "اتفاق عملي" محدد بين الطرفين يتم تداوله والتوافق عليه بين المؤسسات القيادية لكل حركة. ويشير هذا الاتفاق العملي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من ممثلي الفصائل الفلسطينية مع إمكانية انضمام بعض المستقلين، ولها صلاحيات كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون مهمتها الرئيسية إعادة توحيد المؤسسات، وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وفيما تختلف التحليلات حول الظروف المحيطة للمصالحة الفلسطينية، طرحت العديد من التساؤلات عن أبرز التداعيات التي استجدت داخليا وخارجيا، والتي دفعت الطرفين إلى إعادة المحاولة من جديد بعد فشل اتفاق الشاطئ، وعن إمكانية نجاح المباحثات الثنائية بين الطرفين في التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، وقد مضى أكثر من شهر على اجتماع الدوحة الأخير.
دواعي مشاركة السلطة الفلسطينية:
ارتكزت السلطة الفلسطينية على عدة دواعٍ للمشاركة في هذه الجولة من
المصالحة، كان أبرزها فرض واقع الخروج من حالة الغليان الفلسطيني الداخلي الذي ساهم بوضعها في حالة من العزلة، حيث إن توقف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية منذ ما يقارب العامين، وذلك على إثر عدم التزام إسرائيل بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وضع السلطة الفلسطينية أمام موقف سياسي صعب، حيث قامت إسرائيل باشتراط موافقتها للإفراج عن الأسرى بقبول السلطة الفلسطينية تمديد المفاوضات ودون تلبية شروط الفلسطينيين في تجميد الاستيطان. وردا على ذلك قامت السلطة الفلسطينية بالانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وذلك كجزء من الحراك الدبلوماسي والقانوني تجاه الحكومة الإسرائيلية، وكان أبرزها انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية. وتلا ذلك؛ الخطاب الصادر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2015، والذي عبّر فيه عن دعوته لإسرائيل بأن تتحمل مسؤولياتها كدولة احتلال، وأن السلطة في حِل من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ولاقى تداولا كبيرا بين الأوساط الداخلية والعربية والدولية والإسرائيلية. ولكن يبدو أن هذا الخطاب حمل بين طياته تحديا سياسيا جديدا على السلطة، وضعها في حالة من العزلة وساهم في تعقيد المشهد الداخلي، حيث ألقى الضوء من جديد على آخر ورقة تملكها السلطة الفلسطينية: وهي التنسيق والتعاون الأمني والتنسيق المدني والاستمرار بتطبيق بنود الاتفاقيات الموقعة.
واستمرت حالة الغليان، ومثّلت الانتفاضة أو الهبة الجماهيرية التي بدأت مع أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، والتي تأتي ضمن مشهد استمرار حالة انسداد وضبابية الأفق السياسي والاقتصادي لدى السلطة الفلسطينية، "حالة جماهيرية شعبية غير مرتبطة بأي من الفصائل أو الأحزاب الفلسطينية"، حيث تطورت هذه الحالة مع انهيار المسار التفاوضي، والحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في العام 2014، واعتداءات المستوطنين على الشعب الفلسطيني. وفي الإطار نفسه، وضعت هذه الهبة عدة تحديات أمنية على السلطة الفلسطينية، آخرها مقتل الضابط في الشرطة الفلسطينية أمجد ياسر عوض عند حاجز بيت أيل العسكري، على المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة، وذلك إثر قيامه بإطلاق الرصاص نحو جنود على الحاجز العسكري الإسرائيلي مستخدما سلاح الشرطة الفلسطينية، وأصاب ثلاثة من جنود الاحتلال. ومن جانب آخر، وبحسب التقارير الصادرة عن وزارات السلطة الفلسطينية، فقد كان لهذه الهبة انعكاسات على الاقتصاد الفلسطيني بخسائر تقدر بمليار وربع المليار دولار، وهذا ما يضع السلطة الفلسطينية أمام تحد جديد، وهو الملف الاقتصادي، وذلك في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، وفي ظل عدم وجود خيارات، خصوصا مع تمادي الاحتلال في الاستيطان.
وقد مثلت حالة انسداد أفق المفاوضات، وخطاب الرئيس في الأمم المتحدة، والهبة الجماهيرية الفلسطينية ضد الاحتلال، وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي، حالة من الغليان الفلسطيني – الفلسطيني ينبئ بانفجار من نوع آخر، حيث بدأ أساتذة وموظفي الجامعات الفلسطينية إضرابا في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير 2016، ساهم بتعطيل العملية التدريسية لعدة أيام، وتلاه إضراب عن الدوام للمعلمين في المدارس الحكومية الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك احتجاجا على سياسة اتحاد المعلمين الفلسطينيين في التعاطي مع الحكومة الفلسطينية، واحتجاجا على الحكومة في ظل تنصلها من تنفيذ الالتزمات في تطبيقها لبنود الاتفاق الذي تم في العام 2013 والذي يحفظ حقوق المعلمين. وفي الوقت نفسه، قامت قوات الأمن الفلسطينية باعتقال أكثر من عشرين معلما شاركوا في الاحتجاجات، وعليه فإن المشهد الفلسطيني الداخلي يعيش حالة من الحراك الجماهيري ضد سياسات الحكومة.
دواعي مشاركة حركة
حماس:
لا زالت حكومة حماس التي تدير قطاع غزة منذ تسع سنوات أمام مأزق اقتصادي صعب، حيث يعتبر إغلاق معابر المسافرين والمعابر التجارية؛ أعقد مأزق وتحد ملقى على عاتق الحكومة، فقد أظهرت التقارير الصادرة عن نقابة العاملين في القطاع أن عدد العاطلين عن العمل في العام 2015 وصل إلى 213 ألفا، وأن نسبة الفقر في صفوف العمال وصلت إلى 70 في المئة، وأن معدل البطالة في القطاع وصل إلى 60 في المئة.
وكان الجيش المصري قد قام بهدم الأنفاق الواصلة من قطاع غزة إلى مصر في العام 2013، وإغلاق معبر رفح البري، بالإضافة إلى التباعد والقطيعة السياسية مع النظام المصري، كل ذلك عوامل أدخلت الحركة في أزمة مالية واقتصادية وسياسية ساهمت في تعقيد المشهد في القطاع. وقد شكلت الحرب الأخيرة على غزة عبئا إضافيا بشكل خيب آمال أهالي غزة في رفع الحصار، هذا إلى جانب حرمان المرضى والطلبة من مغادرة القطاع عبر المعابر المصرية، حيث سمح النظام المصري بفتح معبر رفع خلال العام 2015 لمدة 21 يوما بشكل متفرق، هذا إلى جانب تحديات أخرى كانعدام الأمن الغذائي وتلوث المياه.
مأزق فشل المصالحة في المرحلة القادمة:
تُلقي عودة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في ظل دعوة نتنياهو الأخيرة للرئيس محمود عباس من أجل العودة لطاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وذلك على إثر طرح الفرنسيين لمبادرة عقد مؤتمر سلام دولي لاستئناف المفاوضات ومع ترحيب السلطة الفلسطينية بالمبادرة الفرنسية، تحديا جديدا على طاولة المصالحة الفلسطينية، في ظل رفض الفصائل الفلسطينية وحركة حماس للعودة للمفاوضات. وقد اعتبرت الأخيرة أن أي عودة للمفاوضات يعني وقف المصالحة.
وعلى النقيض، من ذلك يجد نتنياهو أن خوضه عدوانا جديدا على قطاع غزة أمر ليس ببعيد، وهذا ما يعني أن توجيه ضربة مؤلمة جديدة لحركة حماس في قطاع غزة ستكون بمثابة محاولة أخيرة لتعطيل أي اتفاق مصالحة ممكن أن يحصل بين حركتي فتح وحماس، حيث ستقوم حركة حماس بالرد على العدوان من خلال ضرب صورايخ محلية الصنع، وذلك في إطار ردها على إسرائيل بأن الحرب الأخيرة على القطاع لم تستنزف قوتها الصاروخية. أما السلطة الفلسطينية فستقوم بالتوجه إلى المؤسسات الدولية في إطار تجريم إسرائيل على أفعالها، وذلك من أجل فرض عقوبات على إسرائيل، وبهذا يعود السيناريو كما في الحروب السابقة، تختفي عقبات المصالحة أثناء أي عدوان، وتعود به للمربع الأول بعد وقف العدوان.
وتُلقي التخوفات المصرية من نجاح مباحثات تفعيل العلاقات "التركية- الإسرائيلية" بعد سنوات من توقفها، إثر اعتراض الكوماندوس الإسرائيلي لأسطول مرمرة التركي؛ الذي حاول كسر الحصار المفروض على قطاع غزة في العام 2010، بعد موافقة إسرائيل على دفعها التعويضات لمتضرري أسطول مرمرة، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة من طرفها، مقابل تطوير العلاقات اقتصادية بين البلدين، والسماح بإنشاء ميناء على شاطئ قطاع غزة.. عائقا جديد أمام موافقة الطرف المصري الذي تعتبره السلطة الفلسطينية حاضنا وداعما رئيسيا لأي اتفاق مصالحة يمكن أن يوقعه الطرفان.
وفي الإطار نفسه، ستجد الساحة الفلسطينية نفسها أمام دوامة من المرجح أن تساهم في تعقيد الوضع الفلسطيني الداخلي في حال شغور منصب الرئيس الفلسطيني، بالاستقالة أو الوفاة، دون إجراء مصالحة فلسطينية، حيث أن الرؤى المختلفة بين حركتي فتح وحماس لن تكون فقط سببا كافيا لاستمرار الانقسام الفلسطيني، إنما ستشهد الساحة السياسية الفلسطينية تشرذما بين الحركتين، هذا بالإضافة إلى تشرذم داخل حركة فتح وظهور صراعات ستساهم في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني، لذا فإن المصالحة الآن حاجة فلسطينية ماسة، وذلك لتجنب أي تطور خطير يساهم في تأزيم الوضع الفلسطيني.
الخاتمة:
لقد كشف الاستطلاع الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "المؤشر العربي" للعام 2015؛ عن شبه إجماع بين مواطني الدول التي شملها الاستطلاع، وبنسبة 75 في المئة، على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب. وبالمقارنة مع الأعوام (2014 و2012 و2013 و2011) فقد تغيرت نوعا ما، حيث إن 84 في المئة من المستطلعين في المؤشر لعام (2012/2013، ولعام 2011) توافقوا على أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب، وقد انخفضت هذه النسبة لتصل إلى 77 في المئة في استطلاع المؤشر لعام 2014، حيث إن التطورات الراهنة منذ بداية ثورات الربيع العربي والفشل في جميع جولات المصالحة السابقة؛ حرف البوصلة عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية عربيا ودوليا.
وعلى جميع ما ذكر، فإن أفضل الترجيحات هو التوصل إلى اتفاق يفضي إلى نجاح جولة المصالحة التي ستستكمل لاحقا، وذلك انطلاقا من التداعيات الأخيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي زاد تأثيرها مع تطور سنوات الانقسام، أو منذ اتفاق الشاطئ، حيث شكلت التداعيات عوامل تراكمية رئيسية في دفع جهود المتخاصمين من أجل المحاولة التاسعة في سبيل التوصل إلى اتفاق يساهم في حل الخلاف، في ظل وصول الحركتين إلى شبه تقاطع في المنطلقات الفكرية السياسية، ولا سيما إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هناك شبه توافق في الرؤى بات تدريجيا أكثر واقعيا، والاحتلال هو المفصل الرئيسي بينهما، حيث سيقف نتنياهو سدا منيعا أمام أي اتفاق مصالحة، عبر اتخاذ إجراءات عقابية تجاه السلطة وحماس، إلى جانب حجب أموال الضرائب التي تقدر بمليار ونصف المليار دولار سنويا.
وأسوأ الترجيحات للمرحلة القادمة هو استمرار الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، واستمرار فشل المصالحة الفلسطينية التي بذلت فيها العديد من العواصم العربية جهودا خلال السنوات التسع الماضية ولغاية يومنا هذا، وذلك سيزيد من تعقيد الوضع بشكل أكبر. ويبدو ذلك مرضيا للطرفين، حيث منذ الجولة الأولى للمصالحة والوضع على ما هو عليه ولأجل غير معروف.
فالمتتبع لجولات المصالحة يرى أن الطرفين لا يحبذان خوض انتخابات رئاسية وتشريعية، وهذا ما ينافي رغبة الشارع الفلسطيني، الذي أكد في الاستطلاع الأخير الذي أجرته مؤسسة "أوراد" أن 80 في المئة يؤيدون إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية فورا، للخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الشعب، علما بأن 34 في المئة من الناخبين الفلسطينيين لم يحسموا أمرهم بخصوص التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي الحالتين، يبدو أن المرحلة القادمة، وفي ظل الانشغال العربي بقضايا إقليمية أخرى، تحمل بين طياتها تعقيدات سياسية في حال فشل المصالحة، ولكن تبقى العقبة الرئيسية بينهما تتمثل في قبولهما للديمقراطية الحقيقية في ملء المقاعد التشريعية والرئاسية في أي استحقاق قادم، لذا فإنه لا مفر أمام الحركتين الأكثر تأثيرا في الشارع الفلسطيني (حماس وفتح) من التوافق على بنود المصالحة، ليس كبنود فقط، إنما على أساس الاتفاق على مشروع وطني فلسطيني جديد يشمل برنامجا سياسيا موحدا واستراتيجية تحرر وطني، وبلورة عقد اجتماعي للمصالحة بين التيارات الوطنية والإسلامية، وإنهاء الانقسام، والتوافق على حركة وطنية، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بشكل يضمن مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية، وتحديد العلاقة مع الاحتلال على أساس التحلل التدريجي من الالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو، وذلك في إطار تغليب حل هذه الأمور بطرق ديمقراطية وعبر الانتخابات.