تعاقب على منصب
وزير الثقافة منذ ثورة يناير 2011 في
مصر، 13 وزيرا، مما يجعل هذه الوزارة الأكثر استبدالا لوجوه رؤسائها في فترة قياسية، ولعلها الأكثر إثارة للجدل الشعبي والإعلامي أيضا.
وتقلد منصب وزير الثقافة في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ثلاثة وزراء، أثار اثنان منهما لغطا وجدلا كبيرا بسبب تصريحاتهما التي وصفت بـ"المتطاولة" على
الدين الإسلامي، هما الوزير السابق جابر عصفور، والوزير الحالي حلمي النمنم.
ومن تصريحات النمنم التي أُخذت عليه؛ قوله في لقاء متلفز: "إننا نكذب حين نقول إن مصر دولة متدينة بالفطرة، وقد آن الآوان لنقول إن مصر بلد علماني بالفطرة".
بينما اشتهر سلفه عصفور بقوله إن "الغباء الديني" أمر يعيق مواجهة الانفجار السكاني، وإن "أغلب الكتب بالأزهر تؤدي إلى التطرف والإرهاب"، وإن "من يقول إن الحجاب فريضة لا يفقه في الدين الإسلامي".
نخبة معادية للدين
يقول المفكر الإسلامي محمد عمارة، إن "أية ثقافة لا بد أن يكون لها مرجعية، فقد تكون علمانية أو دينية، والذي نواجهه في مصر؛ هو نخبة ثقافية تأثرت بالفكر والفلسفة المادية"، مضيفا: "لدينا الآن نخبة تسيطر على مفاتيح الثقافة ومؤسساتها، وهي علمانية، معادية للدين والمرجعية الإسلامية".
وكشف في حديثه لـ"
عربي21" أن "النخبة التي ينتمي إليها وزير الثقافة حلمي النمنم وغيره؛ هي نتاج تداعيات ثورة 23 يوليو 1952، التي ضربت الأحزاب السياسية، والمرجعيات الفكرية والثقافية والإيدلوجية، ليصبح ولاؤهم للأجهزة السيادية في الدولة".
وأكد عمارة أن وزراء الثقافة بمصر "يتوافقون مع رؤية النظام الأمني الحاكم لما يريده لهذا البلد؛ فالحاكم الأساس والدائم هي الأجهزة السيادية، وفي القلب منها الرئاسة، وجميع رؤساء مصر جاؤوا من خلفية عسكرية أمنية"، مضيفا: "الذي يُطبق في مصر الآن؛ هو الشعار الذي رفعه فرج فودة (مفكر علماني اغتيل في تسعينيات القرن الماضي)، وهو تجفيف منابع
التدين بكل أنواعه، ويجري العمل عليه بالتوازي في مؤسسات التعليم والأوقاف والأزهر".
تكامل أم تعارض؟
وعلى الجانب الآخر؛ قال وزير الثقافة الأسبق شاكر عبدالحميد، إن "هناك تكاملا بين الثقافة والدين، ولا يوجد تعارض بينهما".
وأضاف لـ"
عربي21": "من حق الجميع أن يدلي برأيه، وحديث وزير الثقافة مثلا عن تنقية مناهج
الأزهر؛ حق أصيل له، خاصة وأن هذه التنقية تتماشى مع الدعوة لمجابهة الفكر المتطرف".
وأكد عبد الحميد أن "عددا كبيرا من المتعصبين خرجوا من تحت عباءة الأزهر، ومن حق المشيخة أن ترد على هذا الكلام بشكل موضوعي، ولكن لا تنكره؛ لأنه واقع معلوم للجميع"، معتبرا أن "الرئيس عندما يختار وزير ثقافته؛ فهو يختاره بما يتناسب مع رؤيته لما يريده لبلده، والوزير يعبر عن توجهات الدولة، والرئيس قد يخطئ أو يصيب في اختياره".
من جانبها؛ قالت النائبة البرلمانية، أستاذ العقيدة الإسلامية، آمنة نصر: "ليس هناك ما يمنع من تدخل المثقف في الشؤون الدينية بالشكل الجيد الذي لا يتقاطع مع الدين"، مضيفة: "أرى أن وزير الثقافة حلمي النمنم حريص على جوهر الأزهر".
وبشأن التصريحات المثيرة للجدل لوزراء الثقافة، والتي تتقاطع مع التقاليد، والموروثات الدينية والثقافية؛ ذهبت في حديثها لـ"
عربي21" إلى أنه "ليس بالضرورة أن نرحب بموروث التقاليد والعرف، فالأمور الدينية لا يجب أن تبتعد عن نقاش القضايا المعاصرة، وهذا يتأتى بتقارب الثقافة مع الأمور العقائدية والدينية".
تغيير الثقافة والهوية
أما الناشطة اليسارية شاهنده مقلد؛ فأكدت أن "وزير الثقافة في أي حكومة؛ هو عنوانه للمرحلة التي يريدها الرئيس، واختياره يتم وفق مجموعة تقارير تقدم له، وهو الآن يعبر عن مرحلة الوطنية التي يريدها السيسي؛ التي تتوافق مع التوجه الوطني للأمة والوطن".
ولفتت في حديثها لـ"
عربي21" إلى أن "الثقافة مرتهنة بتغيير عقول البشر، وهو أصعب ما يمكن، وهي مهمة طويلة المدى، فطوال 40 سنة كانت تمحى ثقافة الشعب بكامله لصالح التبعية، حتى يسهل على الأنظمة تمرير كل الخراب الذي كان يحدث في البلد، ويكرس لحكم الفرد الشمولي".
وأشادت بوزير الثقافة الحالي حلمي النمنم، قائلة إنه "من الأشخاص المشهود لهم بالعلم والثقافة"، مضيفة: "لكن كي تغير ثقافة مترسخة في عقول الناس، تمحو الوعي والتاريخ، وتحولك إلى مشعوذ أو وهابي أو إرهابي؛ فإن ذلك شيء صعب يستغرق وقتا طويلا" وفق تعبيرها.
من جهته؛ وصف المتحدث باسم حزب الأصالة، حاتم أبو زيد، وزراء الثقافة منذ عهد عبد الناصر، بأنهم "علمانيون، ويساريون، شديدو الكراهية للإسلام كمنهج وفكر"، مؤكدا وجود "توافق بين أنظمة الحكم السابقة، وبين اليسار، على تسليم هذا الأخير وزارة الثقافة، وأحيانا الإعلام".
وقال لـ"
عربي21" إن "وزراء الثقافة يعبرون عن توجهات النظام المعادية للإسلام، ويخدمون مشروعه، والهدف من هذه التوجهات هو تكريس رؤية بعيدة عن الإسلام، وتغيير هوية الوطن، وليس أدل على ذلك من تصريحات السيسي نفسه الذي قال إن (هناك نصوصا تم تقديسها؛ تعادي الدنيا كلها)"، مشيرا إلى أن "تصريحات وزراء الثقافة تدور حول المضمون نفسه والمعنى وإن اختلفت الألفاظ".