فيما استمرت لليوم الثالث على التوالي، توابع
خطابه الأخير، الذي ألقاه على مسرح الجلاء التابع للقوات المسلحة، تدشينا لرؤية استراتيجية سابقة أنجزت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تحت عنوان "
مصر 2030".. بدأ رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي زيارة، الجمعة، إلى جمهورية
كازاخستان بآسيا الوسطى، بحثا عن صفقات القمح والسياح والتعاون الأمني والاقتصادي، وفق مراقبين.
خطاب غير دستوري
ووسط استمرار لجدل غير مسبوق حول خطابه، وما ورد فيه من قضايا عدة.. استنكر أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، حازم حسني، في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إشادة البعض، وتصفيقه الحاد، لخطاب السيسي، واصفا إياه بأنه "غير دستوري".
وقال حسني فى تعليقه، مساء الجمعة: "العار هو ما يمكن أن يوصف به - أو يوصم به - كل من عارض مرسي عندما أصدر إعلانه غير الدستوري الاستبدادي، ثم جلس يصفق للسيسي، وهو يعلن أمس الأول آراءه غير الدستورية، عن أنه الحاكم بأمره في مصر، وأنه مسؤول فقط أمام الله الذي سيحاسبه!".
السيسي أقر ببناء "سد النهضة"
وتعليقا على ما ورد على لسان السيسي بخصوص "سد النهضة"، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن السيسي أقر في خطابه بأن "سد النهضة" أصبح "أمرا واقعا"، خاصة بعد أن تعدت نسبة الإنشاءات فيه 50%.
وأضاف في مداخلة هاتفية ببرنامج "صباح أون" على قناة "أون تي في لايف"، أن هناك ضررا سوف يقع على مصر نتيجة بناء السد، خاصة مع بدء مرحلة التخزين، إذ سيتسبب في نقص الماء، مؤكدا أن الدولة تبحث لتلافي الضرر من خلال عمل الدراسات الوافية لسعة تخزين السد، وما ينتج عنها من نقص موارد المياه التي تصل لمصر.
وأشار إلى أنه جار الآن معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي، التي كانت تستخدم في ري الأراضي الزراعية لرفع نسبة الاستفادة منها، وأنه "ليس لدينا سوى ترشيد الاستهلاك من المياه، والبحث عن موارد أخرى آمنة".
معالجة الصرف "فنكوش" جديد
لكن أستاذ الاقتصاد والخبير الزراعي، جمال صيام، قال إنه علينا تقبل أننا كوننا مصريين سنشرب مياه الصرف الصحي؛ نتيجة عجز المياه المتوقع من بناء سد النهضة، مضيفا أن معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي "مكلفة للغاية بشكل لا يمكن تخيله".
وأوضح صيام، في تصريحات نقلتها صحيفة "المصريون"، السبت، أنه تتم معالجة المياه على سبع مراحل، وخلال المراحل الثلاث الأولى تكون بعدها المياه جاهزة للزراعة، ولا تكون جاهزة للشرب إلا بعد المرحلة السابعة، وخلال كل تلك المراحل تستنزف الدولة ملايين بل مليارات الجنيهات.
وانتقد الخبير الزراعي حديث السيسي عن معالجة ملايين الأمتار المكعبة من المياه، مؤكدا أن تلك الكميات لن تكفي مطلقا العجز المتوقع، الذي قد يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من المياه، مضيفا: "حديث السيسي أعطى إثيوبيا الضوء الأخضر لإكمال بناء السد، واعتراف مصر به، ورضاها، وقبولها بما قد يحدثه من أخطار(!)".
وكان السيسي تحدث عن معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، واستخدامها في الشرب، كبديل لنقص المياه المتوقع من جراء تشييد سد النهضة، إذ قال إنه خصص مليار جنيه من صندوق "تحيا مصر" لمعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، واستخدامهما في مياه الشرب، لتكون مصر بذلك أول دولة في العالم تستخدم مياه الصرف الصحي المعالج في الشرب"!
وأشار الخبير المائي إلى أن مصر تعاني "شحا مائيا" خطيرا، وأن العجز المائي لديها يقرب من 20 مليار متر مكعب سنويا، وأن نصيب الفرد حاليا 600 متر مكعب سنويا من المياه.
وأضاف: "مهما فعلت الحكومة، لن تستطيع تعويض العجز المائي المتوقع من بناء سد النهضة"، مؤكدا أن العجز سيؤثر بشكل بالغ في الزراعة.
بحثا عن القمح والسياح
وفيما يبدو أنه "هروب" من حصار الخبراء المصريين له، توجه السيسي، الجمعة، إلى جمهورية كازاخستان، في زيارة رسمية، تستمر ثلاثة أيام، في مستهل جولة آسيوية تشمل اليابان، وكوريا الجنوبية.
وقال الخبير المصري في الشؤون الدولية والباحث بجامعة نيجني نوفغورود الروسية، عمرو الديب، إن أهمية كازاخستان تتجلى بالنسبة لمصر في أنها من الدول المصدرة للقمح والمنتجات البترولية، مما سيعطي فرصة لمصر أن تنوع مصادر استيرادها للقمح ما بين روسيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، لتضيف لها كازاخستان.
وأوضح أن كازاخستان عضو مؤسس للاتحاد الجمركي الأوراسي الذي تتطلع مصر للدخول فيه بمساعدة كل من روسيا وكازاخستان، علما بأن روسيا وبيلاروسيا عضوان فيه، مع وجود رغبة حقيقية للتوسع فيه ليشمل جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق.
وأشار الديب - في تصريحات نقلتها صحيفة "اليوم السابع" - إلى أنه لو دخلت مصر في هذا الاتحاد، باعتبارها شريكا اقتصاديا قويا لأقوى دولتين فيه، وهما روسيا وكازاخستان، ستكون خطوة مهمة في نمو الاقتصاد المصري الذي يمر بأسوأ حالاته.
وأضاف: "رأينا الخطوة الجيدة من جانب كازاخستان بإعادة حركة الطيران مع مصر بعد أن توقفت بسبب حادثة إسقاط الطائرة الروسية على أراضي سيناء، التي تعتبر هدية كبيرة من جانب الحكومة الكازاخية ترحيبا بقدوم الرئيس المصري لتفتح أبوابا لإعادة حركة الطيران الروسية إلى مصر، الأمر الذي سيعيد مصدر دخل مهم من مصادر العملة الأجنبية للاقتصاد المصري، وهي السياحة الروسية".
ومن جهتها، قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نورهان الشيخ، في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم"، إن الزيارة تأتي في ظل معطيات كثيرة، لاسيما أن كازاخستان أكبر دول آسيا الوسطى، ومساحتها تعادل ضعف مساحة مصر، كما أن لديها قدرات كبيرة، منها الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، وكذلك من أكبر الدول المصدرة للقمح بالعالم، ولديها احتياطيات ضخمة من النفط، والغاز الطبيعي.
وأضافت: "كذلك كازاخستان تعد الامتداد الطبيعي لروسيا، وتربطها بها علاقات مهمة، وهناك توافقات بينها وبين مصر في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة أن المنطقة بها حركات إرهابية".
مباحثات السياحة والنووي والفضاء والدواء
ومن جهتها، أشارت صحيفة "الوطن"، السبت، إلى أن مباحثات السيسي في كازاخستان تناولت ملفات أهمها التعاون في مجالات السياحة والاستخدام السلمي للطاقة النووية والفضاء، وكذلك العاصمة الإدارية الجديدة.
وقال السيسي لنظيره الكازاخستاني، نزار باييف، إن الشعب المصري استطاع أن يصوّب مسار ثورته، وأن يحافظ على هويته الوطنية المعتدلة في مواجهة دعاوى الغُلوّ والتطرف!
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن السيسي أعرب عن تقدير مصر لدعم وتأييد كازاخستان لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأورو آسيوي، وتطلع مصر لتفعيل الاتفاقية عقب التوقيع عليها.
وأضاف أن السيسي أشار إلى ترحيب مصر بالسياحة الكازاخية، قائلا: "نرغب في مضاعفة أعداد السائحين الكازاخيين إلى مصر، خاصة في ضوء تسيير خط طيران مباشر بين أستانا وشرم الشيخ اعتبارا من آذار/ مارس المقبل".
ولفت إلى اعتزام مصر إرسال وفد للتعرف عن قرب على تجربة كازاخستان لإنشاء العاصمة أستانا، في ضوء جهود مصر لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة وفقا لأعلى المعدلات العالمية.
مباحثات.. وتفاهمات
وعلى صعيد الزيارة، عقد السيسي جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الكازاخي، نور سلطان نزار باييف، ووجه إليه دعوة لزيارة رسمية إلى مصر في أقرب وقت.
كما اجتمع السيسي، السبت، بمقر إقامته بكازاخستان، برئيس الوزراء الكازاخي، كريم ماسيموف.
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، علاء يوسف، إن الجانبين اتفقا على أهمية تنشيط عمل اللجنة المشتركة بين البلدين، وعقد اجتماعها المقبل في أيلول/ سبتمبر 2016 بالقاهرة.
وكشف رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد الوكيل، أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وكازاخستان قائمة في الأساس على النشاط التجاري فيما يخص صفقات القمح والسياحة فقط، مضيفا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد قفزة إلى 250 مليون دولار في عام 2008، أغلبها صادرات قمح لمصر، لكن التبادل انخفض إلى أقل من 50 مليون دولار عام 2009 نتيجة توقف صفقات القمح مع كازاخستان، وتوقع زيادة عدد السائحين الوافدين من كازاخستان مجددا بعد زيارة الرئيس.
وتعيد زيارة السيسي إلى كازاخستان إلى الأذهان زيارة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، للعاصمة الكازاخستانية، الأستانا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، وزيارة الرئيس الكازاخستاني الحالي، نور سلطان نزار باييف، لمصر عام 1993، التي تم خلالها التوقيع على اتفاق إنشاء جامعة "نور- مبارك"، بمدينة ألماتا، التي تم تغيير اسمها بطلب من الجانب المصري بعد ثورة 25 يناير، فتمت إزالة اسم "مبارك" من الجامعة.