قال الكاتب الصهيوني والخبير الأمني، يوسي ملمان، إن إسرائيل كانت لديها معلومات مؤكدة في أيار 2000 عن قادة
حزب الله العسكريين ومنهم
عماد مغنية، وكان يمكنها اغتيالهم في جنوب لبنان، إلا أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع
إيهود باراك رفض العملية.
وقال يوسي ملمان، في مقال نشرته "معاريف" الجمعة، في شهر أيار/مايو 2000 وصلت معلومات وصورا جوية للاستخبارات العسكرية تثبت أن قادة حزب الله جاؤوا من بيروت إلى جنوب لبنان في جولة.
وتابع ملمان، أن "الاستخبارات العسكرية والموساد نجحا في الحصول على معلومات مؤكدة حول نوايا المنظمة الشيعية، حيث كان هدف الجولة بلورة خطة عمل من أجل تشويش
الانسحاب والإضرار به".
وأشار إلى عاموس غلبوع مؤلف كتاب جديد حول هذا الأمر بعنوان "القصة الحقيقية عن خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان"، الذي قال: "لقد أرادوا أن يكون الانسحاب تحت إطلاق النار"، فالخطة التي وضعها قادة حزب الله شملت إطلاق الصواريخ نحو قوات الجيش الإسرائيلي والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة ومخربين انتحاريين.
وسجل أنه "في 21 أيار/مايو كان هناك نقاش لدى رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال عاموس مالكا، وشارك فيه أيضا شلومو موفاز رئيس ملف الإرهاب في الاستخبارات العسكرية".
وأفاد أن موفاز قدم معلومات تقول إن زعماء حزب الله البارزين سيذهبون إلى جنوب لبنان، وتم القيام بالتحضيرات العملياتية والاستخبارية لدى جهات مختلفة عندنا، هذه فرصة لمرة واحدة من أجل القضاء عليهم أو على الأقل القضاء على الأبرز من بينهم. سنقدم ذلك لرئيس الأركان.
وأضاف غادي آيزنكوت الذي كان في حينه السكرتير العسكري لباراك كان يعرف عن الأمر، وقد قال إن باراك كان يفترض أن يكون في اليوم التالي في الشمال في مراسيم افتتاح حديقة، وتقرر أن يصل إلى قيادة الجيش في موشاف شومرا، هدف التشاور كان اتخاذ قرار استغلال أو عدم استغلال الفرصة من أجل القضاء على رموز حزب الله.
وأوضح أن القادة الذين تم الحديث عنهم هم الخمسة الأوائل في الذراع العسكري لحزب الله، بمن فيهم رئيس الذراع عماد مغنية الذي قيل إن اسرائيل فشلت في محاولات اغتياله أكثر من مرة. وفي النهاية نجحت بذلك في دمشق في 2008؛ نائبه طلال حميه؛ مصطفى بدر الدين (ابن عم مغنية) وهو اليوم القائد العسكري للتنظيم الشيعي في لبنان واثنان آخران.
وزاد الكاتب: "في المساء، أبلغ آيزنكوت باراك وتم الاتفاق على أنه في صباح اليوم التالي حينما يتم اللقاء في مهبط الطائرات في الكنيست في القدس، سيبلغه بالتفاصيل، في ذلك اللقاء دخل غادي إلى سيارة رئيس الحكومة ووزير الدفاع وأبلغه عن خطة اغتيال قادة حزب الله التي قدمها مالكا، باراك استمع وخياله متقد وهو يسمع اسم مغنية".
سافر آيزنكوت وباراك إلى الشمال، وبعد ذلك توجه إلى مقر القيادة في شومرا، حيث انتظره هناك عدد من الضباط رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي ومنهم مالكا وشلومو موفاز وقائد اللواء موشيه كابلنسكي والعقيد بني غانتس الذي كان قائد وحدة الارتباط للبنان وغيرهم.
تحدث مالكا عن
الاغتيال، لكن الجميع لاحظوا أن باراك لا يهتم، فقد كان قلقا من مشكلة تخطيط "انسحاب" الجيش الإسرائيلي، وبعد بضع دقائق أوقف باراك مالكا عن الحديث، وقال لمالكا: "استمروا في الصراع الاستخباري حول موضوع الاغتيال"، لقد كان واضحا للجميع ما معنى كلامه أن باراك لم يوافق على الأمر، فالاغتيال الذي تم النقاش من أجله ألقي في القمامة.
وقال باراك أثناء الاجتماع إنه طلب من رئيس الأركان موفاز ومن قائد المنطقة الشمالية غابي أشكنازي استكمال التحضيرات لخروج الجيش الإسرائيلي وإعادة الانتشار من هذه الليلة.
"موفاز أصيب بالصدمة"، كانت هذه ذروة الدراما التي كان مخرجها وممثلها الرئيس هو باراك. وفي نهاية المطاف، بسبب اعتبارات لوجستية، نجح أشكنازي في تأجيل موعد الانسحاب 24 ساعة.
لقد خاب أمل الضباط الذين شاركوا في اللقاء. فكل شيء كان جاهزا للعملية، المعلومات كانت دقيقة، الجاهزية عالية، الطائرات القتالية والطائرات بدون طيار كانت تحلق في السماء، ولو وافق باراك لكانت القيادة العسكرية لحزب الله قد صفيت، وكان الحزب سيصاب بالصدمة ويحتاج إلى وقت من أجل الخروج منها، لقد تم تفويت هذه الفرصة، واضطرت إسرائيل إلى الانتظار ثماني سنوات وحرب أخرى إلى أن توفرت المعلومات الاستخبارية التي مكنت من اغتيال مغنية، الذي كان في حينه الإرهابي رقم واحد، ليس بالنسبة لإسرائيل فقط بل للولايات المتحدة أيضا.
وشدد على أنه بدل القتل في جنوب لبنان في صيف 2000، اضطر الجيش الإسرائيلي للقيام بما يسمى "تمرينا استخباريا"، وهو تمرين بدون إطلاق نار حقيقي، ورفض باراك الموافقة على العملية خشية أن تؤثر نتائجها في خطته الأكبر.
في لقاء شومرا، ومنذ انتخابه لرئاسة الحكومة في 1999، كان باراك معنيا بتنفيذ وعوده للناخبين وهي إعادة الجيش بعد 18 سنة إلى البيت وإخراجه من وحل لبنان، في البداية أمل باراك أن يتم الانسحاب في أعقاب اتفاق أو تفاهمات بين إسرائيل وسوريا بوساطة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ولكن في سنة 2000 فهم أن فرص التوصل إلى اتفاق، ضعيفة، وأمر رئيس الأركان موفاز بالبدء في الاستعداد للانسحاب بدون اتفاق.
واحتفظ باراك بقرار موعد الانسحاب لنفسه، الموعد الذي تحدد في أعقاب الانهيار السريع لجيش لبنان الجنوبي الذي تسلم من الجيش الإسرائيلي السيطرة على عدد من المواقع التي تم إخلاؤها، وحينما فهم باراك أن جيش لبنان الجنوبي لن يستطيع حماية هذه المواقع عقد اجتماعا عشية 22 أيار/مايو لقادة الجيش، حيث كان قبل ذلك بيوم قد رفض خطة اغتيال قادة حزب الله.
الجيش الإسرائيلي انسحب بدون أي خسائر في الأرواح، وكقرار استراتيجي يمكن القول إن الانسحاب هو إنجاز لرئيس الحكومة ووزير الدفاع إيهود باراك، أما المواضيع الأخرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن التاريخ سيقرر فيها.
وسجل أن ثمن الانسحاب كان باهظا، فمن جهة كان هذا إنجازا على المستوى التكتيكي، حيث لم ينجح حزب الله في ضرب الذيل، لكن الانسحاب كشف خيانة إسرائيل لـ 2500 مقاتل من جيش لبنان الجنوبي الذين عملوا لسنوات طويلة في التنسيق والتعاون. وفجأة وجدوا أنفسهم يهربون هم وعائلاتهم إلى إسرائيل.
وتساءل الكاتب في آخر المقال، هل أخطأ باراك عندما لم يأمر باغتيال مغنية وقادة حزب الله، حيث كان سينشئ واقعا مختلفا في العلاقة بين إسرائيل وبين المنظمة الشيعية في لبنان؟