بين رمز مبجّل عربيا وإسلاميا للمقاومة ضد إسرائيل وتنظيم مصنّف خليجيا وعربيا بأنه إرهابي، صنع
حزب الله لنفسه مسيرة صادمة وقاتمة ما كان يتصوّرها. وقبل أن تستدعيه التطوّرات إلى أدوار سوداء ودموية في
سوريا والعراق واليمن، كان استعدى البيئة عابرة الطوائف التي احتضنته وآزرته في موطنه لبنان، لكن الرأي العام العربي لم يشأ أن يرى هذه الحقيقة واستمر يناصره في معظم البلدان، باعتبار أن مواجهته لإسرائيل تبقى غالبة على ترهيبه لمواطنيه اللبنانيين، وصولا إلى غزو العاصمة بيروت واحتلالها في 7 مايو 2008 ليحسم بالسلاح أزمة سياسية طالت ستة عشر شهرا، واستلزم جمع أطرافها في الدوحة لبلورة حل توافقي لها. وبعد ذلك لم يكن هناك مقدار كاف من التفهّم العربي لما يعنيه اتهام أفراد قياديين من هذا الحزب بتنفيذ عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، رغم أن هذه الجريمة مهّدت لسلسلة اغتيالات ظلّت الشبهات فيها تحوم حول الحزب نفسه، بل أصبحت أكثر صراحة وعلنية.
هذه الارتكابات حسمت النظرة الداخلية إلى سلاح حزب الله، إذ لم يعد موجها حصريا ضد العدو الإسرائيلي، بل أصبح بعد حرب 2006 كسلاح أي مليشيا خارجة على إرادة الدولة، غير شرعي ومخصصا لمواجهة ما اعتبره الحزب مؤامرة محاكة ضدّه. كانت مشكلة هذا السلاح نوقشت في إطار الحوار اللبناني الذي استضافته
السعودية وأسفر عن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية (1975 – 1989). كان المبعوثون الأمريكيون يلحّون على نزع سلاح كل المليشيات، بما فيها حزب الله، لكن تفاهما سعوديا - سوريا (أيام الأسد الأب) أدّى إلى استثناء هذا الحزب، وارتضت الرياض هذا التدبير لأن الحزب كان يقاوم الاحتلال في جنوب لبنان، وقد توصّل عام 2000 إلى إجبار العدو الإسرائيلي على الانسحاب.
بعد مضي أعوام قليلة، بدأ هذا الحزب يستقبل شبانا من السعودية ودول خليجية عدة لتدريبهم على العنف المسلّح، وأرسل مدربين لتلقين الحوثيين على عمليات اغتيال وتفجير، بل انتدب عسكريين من صفوفه لقيادة أعمال القصف والاعتداء على الأراضي السعودية. وأظهرت التحقيقات في الكويت والبحرين تورّط حزب الله في العديد من الشبكات والخلايا العاملة على إثارة الفتن أو التحريض على الفوضى والعنف، وفقا لبيان مجلس التعاون الخليجي الذي سبق أن ندد مرارا بالتدخلات الإيرانية، وأصبح واضحا الآن أن حزب الله هو الوكيل التنفيذي لتلك التدخلات التي لا تقابلها تدخلات مضادة.
منذ الغزو الأمريكي للعراق ازداد انصهار الحزب في الأجندة الإيرانية وكثرت مهمات رجاله لإعداد المليشيات العراقية وتدريبها. وبعد انسحاب القوات السورية من لبنان (أبريل 2005) أصبح هذا الحزب وكيلا لنظام دمشق وامتدادا لدوره، سواء في حرب 2006 أو في الأزمة الداخلية التي تلتها.
وحين اندلعت الأزمة السورية عام 2011 صار الحزب شريكا في قتل السوريين، ولما ضعف الدور السوري صار الحزب وكيلا للدور الإيراني المتعاظم في لبنان، ثم شريكا أساسيا في مشروع الهيمنة الإيرانية الذي عمل ويعمل على إشاعة الاضطراب والانقسامات في عموم المشرق العربي، وصولا إلى منطقة الخليج... كل ذلك كان معروفا، وبالتالي جاء تصنيف حزب الله إرهابيا متأخّرا جدّا، فأحد أهداف التقارب الإيراني - الأمريكي حماية هذا الحزب ودوره.
(عن صحيفة العرب القطرية 7 آذار/ مارس 2016)