مع اقتراب النصر، وارتفاع همة شعبنا
اليمني في الداخل، وتطلعه لاستعادة دولته المنهوبة، وانتظاره للحظة يلتحم فيها مع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، والذهاب معها على درب الخلاص، فالشعب قد جرب ماذا يعني حكم المليشيا طيلة سنة كاملة، عجزت فيها عن توفير أدنى متطلبات العيش، وتحقيق الأمن والاستقرار، ومع لحظة الانتظار هذه جاء صوت غريب من الخلف، يشبه صوت رصاصة غادرة.. التفت الناس، فوجدوه صوت رجال صالح المقربين ينادون بحل سياسي؛ يوقف الحرب ويؤسس لحلول لا تعيد دولة، ولا تستعيد كرامة.
لقد دفع صالح بلاعبيه الاحتياطين في منتخبه الخاسر، يحاول الفوز أو على الأقل تعديل النتيجة، وإن لم ينجحوا فأقصى ما يؤمل عليه هو التخفيف من حدة الهزيمة.
ذهب فريق صالح الاحتياطي يعد لخطة بائسة عنوانها "الحل السياسي" على أيدهم، بوصفهم "طريق ثالث" وجماعة لم ينتموا لأي من المعسكرين الشرعي والانقلابي.. لم ينتبهوا إلى أن الحياد في المسائل الوطنية الفاصلة أكبر من الخيانة وأسوأ من الغدر.
أرادوا التنظير لإنقاذ صالح، ورفع قيمة أسهمهم في بورصة الولاء الوطني، فقرروا الدعوة لوقف الحرب لاستعطاف الناس في الداخل في وقت لا تزال معسكرات الدولة ومقدراتها بيد الانقلابين، واقترحوا أن يتم تسليم السلاح للضباط الذيم لم يشتركوا في الحرب مع أحد، وكأن المعركة كانت مباراة بين فريقين خارجيين، وليست معركة استعادة دولة من يد مليشيا، وكأن هؤلاء الضباط لم يخونوا شرفهم العسكري.
لقد وجب علينا التصدي لهذا، متسلحين بشيء واحد فقط، هو سيرهم الذاتية السوداء، وهي كفيلة لما بعدها.. سنقول للتاريخ إن هؤلاء اتخموا بالفساد والمال العام حتى الثمالة، وإن هؤلاء تركهم صالح ينهبون حتى رضوا عنه، وإن هؤلاء وقفوا على الحياد حين قام الشعب بثورة ضد الحاكم الطاغية في 2011، وإن هؤلاء استحسنوا نهب الحوثي للمعسكرات، وحايدوا حين أسقط مؤسسات الدولة، وسكتوا حين فجر البنية التحية، وغادروا حين وزّع الناس بين قتيل ومعتقل.. وإن هؤلاء الآن يتحركون بدوافع وأجندات لا تنتمي إلى أرضنا.
العمل اليوم لمجابهة فريق "الطريق الثالث" يجب أن يتوزع بين العمل الإعلامي، والقانوني، والحقوقي، ويجب أن يكون الإعلام هو منصة لكل عمل، ووسيلة لتحقيق الوعي المجتمعي، بمخاطر الذهاب إلى حل سياسي، قبل أن تستعيد الدولة مكانها الطبيعي، وتعود القيادة الشرعية لممارسة مهامها.
من أفدح المآسي وأسوئها أن ندفع ثمن الحرية من دمنا مرتين، ويأتي من بيننا من يريدنا أن ندفع الفاتورة الثالثة.. ومن دمنا أيضا، ومن نزيف وطننا الحبيب.. دفعناها عند الموافقة على منح صالح وعائلته وأركان نظامه الحصانة الكاملة، ودفعناها مرة أخرى في معركتنا الدائرة مع جيش صالح المنتقم ومليشيا الحوثي الطامحة للحكم القسري، وهناك من يسعى اليوم للبحث عن مخرج سياسي؛ لإنقاذ من هدموا دولة وقتلوا وشردوا شعبا بأكمله.. ومخرج كهذا لا بد أن ندفع ثمنه يوما ما، من دمنا ودم أبنائنا وأحفادنا.