الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم وبعد. فإن حياة هذه الأمة المباركة وتاريخها الطويل بكل ما فيه من فترات عزة ومجد يفخر بها كل أبنائها وفترات ضعف وانتكاس تأسى لها نفوسهم، لَحَريّة بأن تشكل نبراس عظة واعتبار يعيه كل أبناء الأمة وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يحملون مشروعها الحضاري ويمكنون له ويدافعون عنه.
وما حادت الأمة عن مسارها وقيم دينها، إلا وذاقت وبال ذلك ذلا من بعد عزة وهوانا بعد هيبة وتأخرا بعد تقدم، ودفعت في ذلك أغلى الأثمان حتى يقيض الله لها من يردها إلى مسار عزتها وميدان تمكينها وسبب سيادتها، فرأينا في تأريخها عبد الرحمن الداخل مؤسس مملكة الاندلس الإسلامية وعبد الله بن باديس ويوسف بن تاشفين ومحمد الفاتح وصلاح الدين وقطز مع العز بن عبد السلام، ورأينا في تاريخنا الحديث أمامنا الشهيد حسن البنّا رحمهم الله ورضي عنهم وعنا أجمعين.
ولقد ظل النصح ولا زال أصلا من أصول هذا الدين وقيم هذه الأمة الخالدة، بايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته وألزم في تلكم البيعة كل الأمة أمراءها ورعيتها فيما روي من حديث جرير بن عبد الله البجلي وغيره: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم". و"الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".
ودلل على ذلك قائد الأمة وإمامها المؤيد بالوحي حين عمل بنصح العباب بن المنذر في بدر وسلمان الفارسي في الخندق وغير ذلك كثير، ولا أظن أحدا يدعي اتباعه صلى الله عليه وسلم ويرجو أن يكون على منهجه وشريعته ولا يسعه ما وسع محمدا صلى الله عليه وسلم من قبول النصح.
وإنني في بداية حديثي لا أجد بدا من التقرير أن هذه الدعوة الربانية المباركة إنما قامت على أكتاف رجال ربانيين عايشوا إمامها ومؤسسها وربوا على معين الإسلام الصافي وقيمه الراقية، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والرخيص وذاقوا البلاء صابرين، حتى وصلت هذه الدعوة المباركة إلينا فمنا من أكرمه الله بلقاء هذه النماذج الفريدة التي أسست وضحت وورثت ومنا من لقي من تلاهم من جيل نحسبهم جميعا أهل بر وخير لا يشكك أحد مهما كان جحوده في فضلهم وسبقهم وتضحيتهم.
ولكن لأنها دعوة الله فلا يمكن لأحد مهما كان أن يأسرها ويستحوذ على قرارها ويحبس حكمتها بسبق أو تضحية أو ابتلاء، ولا يمكن لقيادة مهما بلغت أن تعطي نفسها مكانة أرفع من مكان نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الأكرمين، فتستأثر بالحكمة وتتأبى على النصح. والقيادات الربانية للأمم والجماعات لا تضع اللوائح والقوانين لتخرج من المساءلة وتضمن لنفسها الثقة والولاء وإن عطلت طاقات الأمة وعصفت فيها بالمبدعين.
وإنما هي قبل كل شيء تقود الأمة بالحق والرضا وتفتح عينها على معالم سيادتها وقيم عزتها وعبر تاريخها واستشراف مستقبلها وتضع في سبيل ذلك النظم واللوائح وتفتح آفاق الإبداع ليشارك كل أبناء الأمة القادرين في عزها ورفعتها وتضمن بقوانينها الولاء لقيم الأمة ونظمها وشريعتها والوفاء لولاة الحق أصحاب الشورى جزء من الولاء للأمة، وهي ترسم في سبيل ذلك الخطط وتحدد الأهداف وتضع الجداول الزمنية للتنفيذ مستعينة بكل ما تملك من طاقات الأمة متوكلة على الله رب الأسباب، فإن اجتهدت وهي على ذلك فأخطأت دون أن تسأثر بحكمة أو تتأبى على نصح أو تقصي إبداعا أو تنكث على شورى أو تكون شللا خاصة من أهل ثقتها تحصر فيها طاقات الأمة، فلا بأس ولكن إن حدث غير ذلك فلا مكان لاستمرار قيادتها وخصوصا لو دفعت الجماعة والأمة في سبيل ذلك الدماء والأشلاء والأعراض وحرق التاريخ وتأخير الآمال.
ومع كل ذلك فإنه لا ينكر عاقل عليهم القلق الذي تحمله قلوبهم على هذه الدعوة التي ضحوا من أجلها، ولكن أذكرهم أين بعث أسامة بن زيد في حياتكم؟ وأين محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية في بدايات العشرين من عمره؟ والله وحده هو من يكافئكم على الجهد والهم والتضحيات.
وجماعة الإخوان المسلمين هي أكبر كيان تنظيمي يحمل مشروع الإسلام السني في عصرنا الحديث وقد تعرضت على مر العقود السابقة لمحن متتالية ومتنوعة ولا يزال الهيكل التنظيمي على وضعه القديم، تتغير بعض اللوائح نعم ولكن ليس بالقدر الذي يواكب التحديات في هذه الحرب الصهيوصليبية المعلنة على الاسلام السني ومشروعه الحضاري، وفي مقدمته وفي القلب منه الإخوان المسلمين.
ويحضرني في ذلك كلمات للدكتور محمد عمارة - حفظه الله- يقول فيها: "النظام الإسلامي إبداع بشري متطور وليس وحيا إلهيا ثابتا وهو يكتسب إسلاميته بقدر ما يحقق من مقاصد الشريعة في السياسة الشرعية، فالمبادئ ثوابت والنظم متغيرات. وإسلامية المبادئ نابعة من الوضع الإلهي لها بينما إسلامية النظم نابعة من تحقيقها الغاية المبتغاة من مباديء وقواعد السياسة الشرعية "المصلحة" فالشورى مثلا فريضة إلهية أما نظامها ومؤسساتها وضوابط وشروط المشاركين فيها فهي مما يبدعه المجتمع الإسلامي في ضوء المصالح المتغيرة بتغير الزمان والمكان، وبقدر ما يحقق النظام القدر الأكبر من سلطة الأمة في صنع القرار وتدبير الاجتماع يكون النظام إسلاميا.
لهذا عَنْوَنت المقال بحتمية التأسيس الثالث، وإلا فنحن نمضي بخيارنا لسنة الاستبدال فقد عانينا فشلا في الملف السياسي والاستراتيجي وفشلا في الملف الإعلامي، وفشلا في الملف الأمني وفشلا في الأداء المجتمعي وفشلا في الملف الإداري، وفشلا في ملف التواصل مع القوى الوطنية المخلصة ولا أقصد غيرها لأنك لا تستطيع حتى تحييد المرتزقة منهم، وفشلا في إدارة الأزمة، ولقد برز فينا فراعنة ومتسلقين وتكونت شلل في العمل حجبت عن الجماعة ومشروعها آلاف الطاقات والإبداعات وبرز أصحاب رؤوس الأموال الموجهة في كل مواطن التوظيف في الحزب والدولة واختارت القيادة إرضاء الناس، ولو بسخط الله فما حققنا عدلا ولا أزلنا فسادا بل سرح ذلك لينخر في جسدنا ويمزق وحدتنا وعشنا حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: "من أرضا الله بسخط الناس رضي الله عليه ورضا عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه و أسخط عليه الناس".
لذلك أتت حتمية التأسيس الجديد، وهو ما سنتحدث فيه بإذن الله في المرات القادمة. وللحديث بقية بإذن الله، نبدأها بتلخيص لواقع الأمة والمهام المناط بالأمة أن تؤديها وعلى أساس ذلك احتياجات التأسيس الثالث للجماعة التي تحمل مشروع الأمة وأملها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
جزاكم الله خيرًا
ولكني أرى؛
- في المقال كثيرًا من كلام الحق الذي يؤدي ( ونحن في خِضَم أزمة ) إلى باطل.
- في المقال اتهامات جَمّة أقل ما توصف به ( قذف ) دون عرض أي مسوغ أو دليل.
- من المصلحة أخي الفاضل تحري الحق قبل الخوض في غمار معركة لم تُلم بتفاصيلها جميعًا فتحكم بفشلٍ وفشلٍ وفشلٍ.