نشرت صحيفة "لكسبراس" الفرنسية حوارا مع المحلل في العلاقات الخارجية في
المجلس الأوروبي والمختص في الشأن الليبي،
ماتيا توالدو، حول نجاعة
الغارات الأمريكية التي استهدفت مواقع لتنظيم الدولة في
ليبيا يوم الجمعة الماضي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه وفقا لماتيا توالدو، فإن مثل هذه الضربات الجوية، التي استهدفت معسكرا تدريبيا لتنظيم الدولة وأودت بحياة حوالي 40 شخصا من بينهم قيادات التنظيم، كانت دون جدوى نظرا لعدم نجاح العملية السياسية في ليبيا.
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة كانت قد شنت غاراتها الجوية قرب مدينة صبراتة، ومن المرجح أنها تسببت في مقتل الإرهابي نور الدين شوشان، الذي يعتقد أنه على صلة بهجمات باردو وسوسة، التي استهدفت معالم سياحية في تونس العام الماضي، فضلا عن 40 جهاديا آخرين أغلبهم تونسيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن
تنظيم الدولة استفاد من الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ سنة 2011، كما اتخذ من البلاد معقلا له سنة 2014 حيث انضم ما لا يقل عن 5 آلاف مقاتل إلى صفوف هذا التنظيم وجعلوا من ليبيا معقلا لهم ومستقرا.
وأجاب توالدو عن سؤال وجه له عما إذا كانت هذه الغارات تعد تمهيدا لتدخل غربي في ليبيا فقال: "من المستبعد أن يتحقق هذا الأمر لأن الولايات المتحدة وحدها من تواصل تدخلها غير الرسمي ضد الجماعات الجهادية في ليبيا".
مضيفا: "هذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها الولايات المتحدة مواقع لتنظيم الدولة في ليبيا، فقد استهدفت خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عناصر تابعة لتنظيم الدولة في ليبيا. كما أن الجميع على علم بوجود قوات خاصة أمريكية على الأراضي الليبية مهمتها جمع المعلومات وتحديد الأهداف التي لا بد من تدميرها".
وأشار الخبير السياسي توالدو إلى أن هناك تخوفا من احتمالية توجه تنظيم الدولة إلى تونس على خلفية استهداف الإرهابي التونسي نور الدين شوشان، خاصة أنه عزّز من تواجده في مناطق مختلفة من ليبيا مثل درنة، وسرت، وبنغازي، وصبراتة، بالإضافة إلى عدة مواقع على الساحل والتي تربط بين منطقتي أبو جرين والنوفلية.
وبين توالدو، أيضا، أنه في ظل غياب إستراتيجية واضحة لن تكون للغارات الجوية التي تقوم بها واشنطن فائدة ترجى. والجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة لطالما نفذت ضربات دقيقة ضد تنظيم القاعدة في كل من اليمن وباكستان، إلا أنها لم تغير شيئا ولم تسفر عن أية نتيجة.
وعلل توالدو موقفه بالقول إن أمثال هذه التنظيمات تعتمد بالأساس على الفراغ السياسي الموجود في عدد من الدول حتى تتمكن من فرض سيطرتها وتعزيز نفوذها. كما أنه على الرغم من القضاء على الخلية التابعة لتنظيم الدولة في صبراتة، إلا أن الأطراف التي ستسيطر لاحقا على هذا المعسكر تبقى مجهولة.
وأفاد توالدو أنه كان من السهل على الجيش الأمريكي تحديد الأهداف التي سيضربها، حيث أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تسمح للدولة بالتدخل عسكريا "في حالة وجود خطر وشيك أو فعلي" على أراضيها، أتاحت لهم الفرصة لتنفيذ غاراتهم بكل أريحية.
وعند سؤال الصحيفة حول ما إذا كانت الغارات الأمريكية ستشجع الدول الأوروبية وتدفعها نحو تدخل عسكري في ليبيا، أجاب توالدو أن هم الأوروبيين في الوقت الراهن هو إنجاح العملية السياسية. فقد أدرك دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي أنه من دون وجود إستراتيجية واضحة ودقيقة تساهم في الخروج من هذه الأزمة، فإن التدخل العسكري سيكون محكوما بالفشل.
وذكر توالدو أن بعض المراقبين يشددون على ضرورة الحد من انتشار وتوسع تنظيم الدولة في المنطقة حتى لا يخرج هذا التنظيم عن السيطرة ويصعب لاحقا القضاء عليه.
وفي الختام، بين الخبير السياسي أنه إذا كانت هناك حاجة ملحة لتدخل عسكري في ليبيا، فإن الأهم من ذلك هو تحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث إن مهمة الممثل الخاص للأمم المتحدة، مارتن كوبلر، التي تتمثل في التوفيق بين الحكومتين المتنافستين ستكون أكثر تعقيدا إذا ما تم تكثيف الضربات. كما أنه لا بديل عن الاعتماد على الشركاء المحليين من أجل مكافحة تنظيم الدولة في ليبيا.