نشر موقع "تشاتام هاوس" (المعهد الملكي للشؤون الخارجية) تقريرا لنائب المعهد وكبيرة الباحثين في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جين كننمونت، حول التحولات في السياسة الخارجية للسعودية منذ اعتلاء
الملك سلمان سدة الحكم في
السعودية.
وتقول الكاتبة إن "قرار الملك سلمان التدخل العسكري في
اليمن، بعد اعتلائه العرش قبل عام، شكل بداية عهد جديد للسياسة الخارجية السعودية، وهذا لا يعني أن هناك (عقيدة) سياسة خارجية أو استراتيجية جديدة، لكن الجيل الجديد، الذي يقود السياسة الخارجية، يسعى إلى استخدام أساليب جديدة للتجاوب مع بيئة متقلبة جدا، وأثبت استعدادا جديدا لاستخدام القوة العسكرية، لكنها أيضا تشهد محدودية ذلك، ومع أن النتيجة النهائية لحرب اليمن غير واضحة، فإن التوجه والأدوات للسياسة الخارجية السعودية تحت حكم الملك سلمان لا تزال تحت التجربة".
وتصف كننمونت السعودية على مدى عقود بأنها "قوة محافظة تسعى لإبقاء الحال على ما هو في الشرق الأوسط، متمثلا في دعم الدول المستقلة، والترحيب بالوجود الأمريكي في المنطقة، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت تدعم علنا حل الدولتين للقضية الفلسطينية، وعلى العكس من ذلك، كانت
إيران منذ الثورة لاعبا تصحيحيا يدعم القوى الثورية غير الحكومية، وتسعى لإنهاء الوجود الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، لكن هذه النماذج تتحرك، والنظام الإقليمي في حالة تقلب".
ويشير الموقع إلى أن "المنطقة تشهد انهيارا للدولة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وليست هذه حروب للسيطرة على الدولة، لكنها صراعات ستحدد إن كانت الدولة نفسها ستستمر بحدود القرن العشرين، فمجرد المفهوم بأن أمريكا تنسحب من المنطقة كان دافعا لتشجيع روسيا على أن ترفع من مستوى دورها العسكري فيها. كما أن الاتفاقية النووية مع إيران قد تكون المقدمة لتقارب مع أمريكا، ينهي أكثر من ثلاثة عقود من العداوة والاحتواء. وفي سوريا والعراق، وليس في لبنان واليمن، فإن إيران هي السياسية المحافظة التي تحارب مع أنظمة محاصرة، من خلال خليط من اللاعبين غير الحكوميين، ما يزيد من إضعاف سيادة تلك الدول. وفي الوقت ذاته يحاول الدبلوماسيون الإيرانيون تسويق بلدهم للغرب كونه حليفا ضد الإرهاب، وبينما كان ينظر إلى إيران يوما على أنها مصدرة للثورة، فإنها تحاول اليوم إظهار نفسها على أنها مدافعة عن النظام".
ويوضح التقرير أنه "بدلا من منح السعودية دعما شاملا لمكافحة الثورة، جاء ردها على الثورات بحسب الشخصيات والفرص، حيث دعمت تغيير النظام بشكل مباشر في سوريا وكلاميا في ليبيا؛ لأن كليهما كان يعد عدوا للمملكة، وأرسلت السعودية دباباتها إلى البحرين، عندما شعرت بأن النظام الملكي هناك مهدد، وفتحت الخطوط بتردد مع الإخوان المسلمين في مصر، ثم دعمت الانقلاب عليهم للعودة إلى نظام شبيه بالنظام القديم".
وتبين الكاتبة أن سياسة السعودية في اليمن كانت تقريبا عكس ما كانت عليه مع مصر: ففي البداية دعمت ما كانت تأمل بأن يكون تحولا سلميا عن حكم علي عبد الله صالح، ثم عندما قام النظام القديم بالتحالف مع القوى التصحيحية بالانقلاب، قادت السعودية تحالفا دوليا لعكس النتائج، والفرق في السياسة يعكس إلى حد بعيد تخوف السعودية من الدور الإيراني في اليمن.
ويلفت التقرير إلى أنه على المستوى الدولي، فإن صانعي السياسة السعوديين يحرصون على التشديد على أن هدفهم في اليمن هو إعادة الرئيس المعترف به دوليا إلى سدة الحكم، أي دعم الأعراف الدولية، أما على المستوى الإقليمي والمحلي، فإن خطابهم يركز على إبعاد النفوذ الإيراني عن شبه الجزيرة العربية، محافظين بذلك على منطقة عربية تقليديا.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه مع ذلك، فإن الحرب في اليمن لن تعيد إليها الوضع السابق، لكنها تفاقم من الميول التقسيمية الموجودة في البلد بإدخال عنصر السياسة الطائفية، الذي قد يؤدي إلى تفكك الدولة، وفي الوقت ذاته، فإن الانتقادات في تزايد من داخل السعودية أيضا، مشيرا إلى أنه من الواضح بشكل عام أنه لا يمكن الاعتماد على الفرضيات التقليدية حول تصرف السعودية، مثلا بأنها ستعتمد على السلاح فقط للردع، بينما تبني سياستها الخارجية على الدبلوماسية والقوة المالية.
وتنوه كننمونت إلى أنه "إلى الآن لم يتغير من السياسة السعودية الخارجية سوى الأدوات والطموحات، وكما يقول الدبلوماسيون الأكاديميون السعوديون، فإن السعودية تهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وأن تكون حولها أنظمة صديقة تستطيع التعامل معها، وتقبل الدور الغربي في المنطقة، وتمنع تمكين المجموعات التي لديها أجندات عابرة للحدود تهدف لزعزعة حكم
آل سعود من قواعدهم في بلدان أخرى".
ويجد الموقع أنه "لذلك، فإن التنافس مع إيران يتعلق بمعارضة النفوذ الإيراني في المنطقة، أكثر من تعلقه بالمسائل الإثنية والطائفية، بالضبط كما كانت السعودية ترى تحديا في قومية جمال عبد الناصر. وارتفاع التوتر مع إيران اليوم هو بسبب معارضة الدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى شعور السعودية بفشل أمريكا في احتواء أو ردع تمدد النفوذ الإيراني".
ويستدرك التقرير بأن السعودية نفسها تشجع لاعبين غير حكوميين "سواء كانوا قبائل أو مليشيات أو أحزابا سياسية"، مشيرا إلى أنها أيضا متورطة في التدخل في السياسات الداخلية لبلدان أخرى، ويحتج الدبلوماسيون السعوديون بالقول إن هذا مجرد رد لما تفعله إيران ووكلاؤها، لكن كليهما يسهمان في تأجيج الصراعات العابرة للحدود، وإضعاف سيادة عدة دول في المنطقة.
وترى الكاتبة أن "الإشارة إلى أن السعودية تسعى إلى نشر المذهب الوهابي في المنطقة فيها مبالغة كبيرة؛ فأقرب حلفائها في الخليج هما العائلتان المالكتان العلمانيتان نوعا ما في الإمارات والبحرين، وليس القطريون، مع أنهم الأقرب إلى التدين، وفي لبنان تدعم السعودية حركة المستقبل، التي تتألف بشكل كبير من سنة علمانيين، وفي الساحة الفلسطينية تفضل السعودية حركة فتح العلمانية على حركة حماس المرتبطة بالإخوان المسلمين، أو المجموعات السلفية الأصغر. وفي اليمن عملت مع الشيعة الزيديين ضد عبد الناصر في الستينيات، ثم عملت مع علي عبد الله صالح العلماني الزيدي لسنوات طويلة، وكانت ترى فيه حليفا ضد تنظيم القاعدة".
ويورد الموقع أن "السعودية تؤيد المقاتلين السنة في سوريا واليمن بشكل رئيسي، مثل جماعة أحرار الشام السلفية الجهادية وجيش الفتح في سوريا، وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) في اليمن. وفي هذه الأوقات المشحونة بالصراع، فقد أثارت العداوة لإيران المخاوف بأن بعض هذه المجموعات تهدد المصالح السعودية أيضا".
ويجد التقرير أنه "مع أن الهوية الإثنية والطائفية ليست هي الهم الرئيسي في السياسة، إلا أنها تساعد في تعريف (نحن) و(هم). ودون هذا لا يمكن الفهم لماذا تتعاطف السعودية مع الشعب السوري الذي يذبحه نظامه، بينما لا تهتم بالناس في دارفور الذين تقتلهم السلطات السودانية، التي تحارب قواتها مع السعودية في اليمن".
وتخلص كننمونت إلى أنه "على المستوى المحلي فإن الحفاظ على آل سعود يحتاج إلى تغيير، لذا بدأت العائلة الحاكمة بالتحرك نحو الجيل الشاب في ولاية العهد والدفاع والخارجية، وهذا جعل القرار المركزي أكثر حسما، لكنه لا يقوم على الإجماع، وتزايدت مشكلات البلد الاقتصادية؛ بسبب التراجع في أسعار النفط، ما يحتم تغييرا في السياسات المالية والاقتصادية، وهذا سيجعل قرارات السياسة الخارجية مثيرة للمزيد من النزاع، حيث ستتضارب المصاريف العسكرية مع مصاريف الصحة والتعليم بسبب شح الموارد".