قال الكاتب
الإسرائيلي إيلي فوده، إن العاهل السعودي يمر بما وصفه "استعراض العضلات"، مشيرا إلى أن المملكة تخلت عن "واقعيتها الواعية" وتوجهت نحو "سياسة خارجية غير مغامرة"، قد تؤدي بها إلى تدخل سعودي نشط أمام التحديات التي تمر بها، حتى مع الأزمات الاقتصادية التي تمر بها.
وفي مقال للمحلل الإسرائيلي مع صحيفة "
هآرتس"، بدأ فوده بقوله إن إعدام رجل الدين الشيعي في
السعودية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع
إيران، في أعقاب الاعتداء على السفارة في طهران يعبران عن السياسة الخارجية السعودية الجديدة، الأكثر "مواجهة" من أي وقت مضى، والتي بدأت مع صعود الملك الجديد سلمان إلى الحكم في كانون الثاني/ يناير 2015.
واعتبر فوده أن هذا الانتقال من الدبلوماسية إلى الصدام مع الخصوم ليس جديدا، مشيرا إلى أن بدايته جاءت مع الربيع العربي.
واستدرك البروفيسور المحاضر بقسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية، بقوله إن "السياسة الخارجية السعودية التقليدية كانت تميل إلى الاعتماد على قوة عظمى غربية، لتلبية الاحتياجات الأمنية النابعة من الحدود الطويلة والسائبة، والتي تخلق مصاعب في الدفاع عن حقول النفط، توازت مع سعي السعودية للحفاظ على استقرار إقليمي لمنع الهزات في سوق النفط، ولذلك فقد عملت بوسائل دبلوماسية ومالية".
وأشار المحلل الإسرائيلي إلى أن هذا "هو السبب الذي جعل المملكة تبادر مرتين لخطة سلام لحل النزاع الإسرائيلي–العربي (مبادرة فهد في 1981، ومبادرة عبدالله في 2002، التي أصبحت مبادرة السلام العربية)، رغم أن النزاع يقع بعيدا عن حدودها"، مشيرا إلى أن قدرات السعودية الاقتصادية بعد الانفجار النفطي في السبعينيات سمح لها بأن تستلم القيادة في العالم العربي، خصوصا بعد الفراغ الذي نشأ مع طرد مصر من الجامعة العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
أين حصل التغير؟
وبدأ التغير الدبلوماسي والاقتصادي للهيمنة السعودية، مع الاجتياح الأمريكي للعراق، الذي أوصل الشيعة للحكم، وتسبب بالحرب الأهلية بين السنة والشيعة، "الذين تعتبرهم الوهابية طائفة غير شرعية"، ونشوء تنظيمات متطرفة مثل تنظيم الدولة، تتعدى الدولة السعودية التي تحكمها الشريعة الإسلامية، بحسب فوده.
ومن جهة أخرى، فقد هددت ثورة الربيع العربي في الدول العربية المجاورة شرعية الأسرة المالكة السعودية، وردا على ذلك، لم تسكب فقط أموالا كثيرة لشراء تأييد السكان المحليين للسلالة السعودية، بل إلى تدخل عسكري سعودي، بصورة جيش خليجي، في مملكة البحرين المجاورة.
وكانت هذه المرة الأولى منذ التدخل في
اليمن في الستينيات، التي تعمل فيها قوة سعودية خارج الحدود. فالتدخل في البحرين، تحت حكم العاهل السابق عبدالله مثّل بداية التدخل السعودي في الساحة العربية، مقابل وجود سياسي وعسكري في ساحات ليبيا وسوريا واليمن.
وأوضح فوده أن تدخل السعودية في سوريا بدأ بتسليح قوات المعارضة للأسد، انطلاقا من الرغبة في إضعاف إيران، التي تعتبرها تهديدا أيديولوجيا (بسبب نشر الشيعية) وعسكريا استراتيجيا، عبر فرعها "حزب الله اللبناني".
ولكن التدخل السعودي الأكثر بروزا هو في اليمن، فقد حلت إيران 2015 محل مصر 1962، التي ساعدت النظام الجمهور في اليمن ضد النظام الملكي، المدعوم من السعودية، أما الآن، مثلما كان في حينه، فقد شعرت القيادة السعودية بأنها ملزمة بأن تبادر إلى خطوة عسكرية كي تعيد النظام السابق لعبد ربه منصور هادي إلى سابق عهده، سعيا لإعادة النظام الإقليمي إلى سابق عهده قدر الإمكان، بحسب فوده.
واعتبر المحلل الإسرائيلي أن الهدف هو حماية مصالح السعودية في شبه الجزيرة العربية وفي المنطقة والحفاظ عليها، وليس توسيعها، وهكذا فإن المملكة تبث للولايات المتحدة أيضا بأنه خلافا لصورتها حتى الآن فإنها ليست "نمرا من ورق"، بل لديها قدرات تسمح لها بأن تشكل مثابة شرطي الخليج، مثل الدور الذي أدته إيران في السبعينيات حتى حكم الشاه، بحسب تعبيره.
وبشكل طبيعي، فإن التدخل السعودي في كل ساحات الصراع في المنطقة يجعلها زعيما محتملا للعالم العربي، في ضوء غياب البديل الحقيقي من جانب مصر، والعراق، وسوريا، والتي تنشغل كلها في شؤونها الداخلية، بحسب فوده.
واختتم فوده بقوله إن "السعودية امتنعت عن أخذ هذا الدور لنفسها، بينما مصر – حتى في أوقات الضائقة – لم تسارع للتخلي عنه"، وسط حالة صعبة للمملكة مع الهبوط الحاد لأسعار النفط، الذي قد يمس قدرتها على أن تبعث قوة خلف حدودها.