نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا حول الصعوبات التي يواجهها قطاع
السياحة في الأردن، قال فيه إن بدو
البتراء الذين يعانون من كساد
السياحة وشح الموارد؛ اضطر أغلبهم إلى العودة للعيش في الكهوف المنحوتة في الجبال، بعد أن كانت الحكومة قد نقلتهم قبل سنوات للعيش في بلدات مجاورة.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الزائر لمنطقة البتراء السياحية في الأردن؛ يتفاجأ لدى عبوره لمضيق السيق الحجري المؤدي للمدينة الأثرية، بحالة الصمت والركود التي تخيم على المكان، بعد أن هجره السياح، خوفا من حالة الفوضى والعنف التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ومن تصاعد خطر
تنظيم الدولة.
ونقل التقرير عن سائحة أمريكية تدعى شوشانا، قولها إن "والديها شعرا بالقلق الشديد حول سلامتها في الأردن، واشترطا عليها عدم زيارة الشرق الأوسط إلا في إطار رحلات منظمة".
وأورد أن قطاع السياحة في الأردن جلب للبلاد ما قيمته 14 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 4.4 مليار دولار، ليكون بذلك ثاني أهم مورد للعملة الصعبة بعد التحويلات المالية التي يقوم بها المغتربون، "ولكن أعداد السياح تراجعت إلى النصف بين عامي 2010 و2014، وهي تواصل انخفاضها سنة بعد الأخرى، كما أنه تراجع عدد الزوار الأجانب لمدينة البتراء بنسبة 32 بالمئة خلال 2015".
وقال التقرير إن نوار جوهد، وهي مرشدة سياحية أصيلة بالمنطقة، كانت شاهدة عيان على تغير أوضاع المنطقة خلال السنوات الماضية، وتأثير ذلك على السكان المحليين، ونقل عنها قولها إنه "منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011؛ فقد تراجع عدد السياح في البتراء والأردن عموما، كما أن صعود تنظيم الدولة جعل الناس يخافون من زيارة المنطقة".
وأضافت جوهد: "في العادة توفر السياحة حوالي أربعة مليارات دولار سنويا للأردن، ولهذا فإن الأزمة الحالية لها تأثيرات كبيرة على المستوى الوطني، وعلى المستوى المحلي أيضا بالنسبة للسكان المحليين الذين يسمون (
البدول)".
وذكر التقرير أن "البدول" الذين كانوا يعيشون في محيط منطقة البتراء منذ وقت طويل وينحدرون من الأنباط؛ قامت الحكومة بترحيلهم من كهوفهم في عام 1985 للعيش في بلدة مجاورة للموقع الأثري، من أجل الحفاظ على هذه الآثار من التآكل بفعل استغلالها من قبل الإنسان، ليشكلوا بمساكنهم التي منحتها لهم الحكومة بلدة "أم صيحون"، فيما تمسك حوالي 150 شخصا بالبقاء في كهوفهم.
ونقل عن توفيق عبدالله (28 عاما)، الذي كان يحاول الظفر بسائح يركب على جمله ولكن دون جدوى، قوله إن "أجداده انتقلوا إلى هذه المنطقة قبل 450 سنة، وقد جاءوا كبدو رحّل، وجلبوا معهم حيواناتهم من ماعز وجمال وغنم، واستقروا لما وجدوا ينابيع المياه والعشب والمأوى".
وذكر التقرير أنه في الوقت الذي قاوم فيه البعض منذ البداية ضغوط الحكومة لدفعهم للانتقال؛ فإن أعدادا كبيرة من
البدو شرعت الآن في العودة إلى هذا الموقع الأثري، بسبب شح الموارد المادية في ظل أزمة السياحة، بالإضافة إلى صعوبة البناء، أو الحصول على منزل في البلدة التي تم تشييدها دون تفكير في المستقبل والتوسع والزيادة.
ونقل عن توفيق قوله إن "الناس يعودون لأرض أجدادهم؛ لأن البلدة لم تعد تتسع لهم، والحكومة لم توفر حلولا لهذه المشكلة، وتعاني الآن حوالي 700 عائلة من الحرمان من سكن لائق، ومن التشرد والعيش في ظروف سيئة، ولكن قرار العودة بالنسبة للكثيرين ليس إكراها، بقدر ما هو رغبة منهم في العودة لنمط الحياة التقليدي".
وأكد توفيق أنه "ذهب للعيش في ألمانيا لمدة ثمانية أشهر، ولكن صخب المدينة واكتظاظها لم يرق له؛ لأنه يفضل العيش في مكان هادئ وطبيعي، والحرارة في الكهوف الحجرية تكون على عكس الطقس في الخارج، حيث ينعم الناس بالدفء شتاء، والبرودة صيفا".
ونقل التقرير عن الشاب خالد عرباية، الذي فضل العيش في الكهوف بدل المساكن الحكومية، قوله إنه "ولد في كهف، وعاش فيه طوال حياته، وهو يجد لذة في إشعال النار، وجلب الماء على ظهور الحمير، والقيام بكل الأعمال بشكل يدوي".
وبيّن عرابية أنه "بعد أن تناقصت أعداد السياح الذين هجروا منطقة البتراء؛ فقد بدأ شباب البدول بشكل خاص يقبلون على العودة للكهوف، لأن المساكن الحكومية لا تتسع لهم ولعائلاتهم، ولأنهم يبحثون عن العودة لجذورهم، ولنمط الحياة التقليدي الذي كان سائدا قبل الطفرة التي شهدها قطاع السياحة".
وعبّرت نوارة جوهد أيضا عن توقها، كباقي الشباب البدو، لإعادة استكشاف موروثها الحضاري، وقالت إنها "خلال عقدين من الزمن؛ كانت شاهدة على تغير أسلوب حياة البدو، الذين أصبحوا مجتمعا استهلاكيا يهتم بالمادة، ولم يعد محافظا على عاداته وتقاليده".
وأضافت: "قبل انتعاش المهن المرتبطة بالسياحة في المنطقة؛ كان البدول يملكون نظاما اقتصاديا ثريا ومتنوع المصادر، يتراوح بين الصناعات البسيطة والنشاط الفلاحي، ثم تغير الوضع وأصبح مصيرهم مرتهنا بقدوم السياح".
ولهذا، فإن جوهد ترى أن "الجانب الإيجابي من أزمة السياحة في الأردن؛ هو أن البدو بدأوا يعودون لأسلوب حياتهم الأصلي، فمنذ أن بدأ تدفق السياح على البتراء، أصبح الناس يكسبون المال بشكل أسهل وهجروا أعمالهم القديمة، ولكنهم الآن بدأوا بالعودة لسالف حياتهم، وهذا أمر إيجابي؛ من شأنه إحياء الثقافة والتراث القديم".
وختم التقرير بالإشارة إلى أن 90 بالمائة من بدو البتراء كانوا يعملون في قطاع السياحة، ولكن مع اشتداد الأزمة وغياب أي بوادر لحل المشاكل الإقليمية التي أضرّت بهذا القطاع؛ فقد التجأ كثيرون لتربية الماشية ورعي الأغنام والماعز، وإنتاج اللبن والجبن، من أجل بيعه في السوق.