كتب كمال أوزتورك: حينما تتناول يدي أي كتاب في مكتبتي يتعلق بالأكراد، فإني أجد فيه مقدمة تبدأ بنبذة تاريخية. وكل الكتب تحكي عن بدء حركات التمرد لدى
الأكراد، وكيفية إخمادها، وكيفية اضطهادهم.
في رأيي، أن الأمرَّ من ذلك هو معرفة كيف أن الأكراد خُدعوا، واستُخدموا من قبل الدول الأجنبية فيما بعد.
ومع الأسف، فإن الأكراد الذين استخدمتهم كل الدول تركتهم بعد ذلك، وبالرغم من معرفتهم ما عانوه من عذاب بعد ذلك، فها هم يسقطون في فخ "الدولة" من جديد.
روسيا أول دولة خدعت الأكراد
كان الأكراد في العصر القريب أو "عصر السعادة" في عهد الدولة العثمانية، يعيشون مثل غيرهم من القوميات الأخرى بحرية، مع ثقافاتهم وأديانهم ولغاتهم.
مع بداية ضعف الدولة العثمانية، سعت
روسيا لدعم حركات الانفصال في ثلاث مناطق، وأرادت تمزيق الدولة العثمانية. وقامت بتحريك السلاف في البلقان، والأرمن في القوقاز والشرق، والأكراد في الشرق والجنوب الشرقي. وعملت على استنفارهم في مواجهة الدولة العثمانية.
بدأ أول تمرد بخروج عبد الرحمن باشا عام 1806م. وحتى سنة 1921 فقد ظهر تمردان، وتم إخمادهما بقسوة.
قيصر الروم الذي أعطى وعدا للصرب في البلقان بالاستقلال وبناء دولة قومية، أعطى الأكراد الوعد ذاته.
في الحقيقة، لقد أرادت روسيا البلقان والقوقاز لنفسها، فاستخدمت الأكراد للضغط على الدولة العثمانية، ثم تركتهم بعد ذلك يعيشون أصعب تراجيديا حقيقية، وقد كانت السبب في ذلك.
أكراد الإنجليز.. وخدعة "سيفر"
استُخدم الأتراك مجددا ضمن الخطط التي أُعدت لتقسيم الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى. والمستخدم هذه المرة هم الإنجليز. أُعطي وعد للأكراد ببناء دولة مستقلة في معاهدة "سيفر" في (المادة 62 و64).
واستنادا إلى هذه المادة، أعلن الشيخ محمود البرزاني نفسه حاكما على
كردستان في مدينة السليمانية عام 1922م. وطبع النقود وطوابع البريد. وقام الإنجليز في
العراق بنسف إعلان الاستقلال هذا بتفجير السليمانية في العراق، الذي كان تحت وصايتها.
تبدأ التمردات في
تركيا في الوقت ذاته. خرج الأكراد في25 تمردا في الفترة ما بين عام 1924 و1940م. وقامت الجمهورية بإخمادها بقسوة عبر محاكم الاستقلال وقانون "تحقيق السكون". ودخل حينها الأكراد في جدال كبير لسنوات طويلة، منكرين الثقافة والهوية.
الإنجليز الذين كانوا يحركون هذا التمرد من تحت الطاولة، ما كانوا ليسمحوا به أبدا في العراق الذي يقع تحت وصايتهم. قام الإنجليز ابتداء بقتل عائلة البرزاني، ثم كل الأكراد الذين سولت لهم أنفسهم الاقتراب من حقول النفط.
عندما رأى الأكراد القنابل التي تلقى عليهم من طائرات الإنجليز، فهموا خدعة وعد "سيفر"، لكنهم كانوا متأخرين.
كان هدف بريطانيا أخذ مناطق النفط، مثل الموصل وكركوك، تحت رقابتها، واستخدام تمرد الأكراد للضغط على تركيا، وجعلها تقبل بما تطلبه، وقد تحقق لها ما أرادت.
دراما جمهورية مهاباد الكردية
أول وآخر دولة أسسها الأكراد كان اسمها "مهاباد". أُسست في الأراضي الإيرانية، وكان عمر هذه الدولة 11 شهرا.
قام الإنجليز والروس مجددا بخداع الأكراد عبر خدعة وعد استقلال دولة الأكراد من أجل احتلال إيران. استخدمت روسيا خطر الدولة الكردية كوسيلة لاختزال جنوب شرق إيران الذي احتلته.
بعدما اتفقت روسيا وبريطانيا مع إيران بالقوة، فإن كلتا الدولتين تخلت عن الأكراد، ثم قامت إيران بالدخول إلى مهاباد، وأحرقت دولة الأكراد بشكل دموي، وشنقت أعضاء الحكومة المعلنة، وقتلت مئات الناس.
استخدام أمريكا للأكراد
بعد الانقلاب العسكري في العراق، في ستينيات القرن الماضي، وبداية زعزعة الاستقرار، تم التحرك من أجل حرية واستقلال الأكراد مجددا. هذه المرة كان المحرك والمشجع للتمرد هو أمريكا. أنهى مصطفى برزاني الاتفاق مع روسيا واتفق مع الأمريكان، فيما وضعت روسيا يدها بيد صدام لمواجهة الأكراد.
قامت أمريكا بدعم الأكراد عبر شاه إيران، بكل الوسائل والأسلحة لمواجهة نظام حزب البعث. واعتقد الأكراد يقينا أنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من نيل الاستقلال بجيش قوامه أكثر من 120 ألف جندي.
وإيران من جهة، كانت تدعم الأكراد بالأسلحة لمواجهة العراق، وتعقد لقاءات مع نظام صدام من جهة أخرى. وكانت وسيلتها تركيا.
قال شاه إيران لـ"إحسان صبري تشغلايانجيل"؛ إذا لم تصر العراق على موضوع سد العرب فإنه سيسحب الدعم عن الأكراد. ولأن العراق كانت مضطرة فقد قبلت بطلب إيران.
وفجأة، قطعت إيران الدعم عن الأكراد، وقام البرزاني بكتابة رسائل دراماتيكية إلى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر، لكي لا يتركهم وحدهم. إلا أن الوضع لم يتغير.
ساعدت أمريكا الأكراد من أجل شاه إيران، الذي نال ما أراد، وخُدع الأكراد مجددا.
في السبعينيات، سلم البرزاني نفسه، وتبعثر جيشه، وأخذ صدام الأسلحة.
الشعب الذي ينخدع كل حين
بتسليم البرزاني في السبعينيات، انقسمت الحركة الكردية. وظهر على الساحة الطالباني في العراق وعبد الله أوجلان في تركيا.
بعد هذا التاريخ، أصبح من المستحيل معرفة مِن قِبَلِ مَن، ولأي غرض استُخدم الأكراد المنقسمون. فألمانيا، وفرنسا، وإسرائيل، وإيران، والعراق، وسوريا، وأمريكا، وروسيا، والصين، استخدمت جميعها الأتراك لفترات وأغراض متعددة، ثم تخلت عنهم.
منذ أن رفعوا رؤوسهم لأول مرة في وجه الدولة العثمانية عام 1806م، قاد الأكراد الذين يعيشون في المنفى مئات الحروب والتمردات، ولم يستطيعوا أبدا الوصول الى الدولة الكردية التي وُعِدوا بها.
قُتِل آلاف الأكراد فحسب، ونُفي الآلاف، وانتُزِعوا من أماكنهم وأوطانهم.
استخدمت أمريكا الأكراد لمواجهة صدام، وحدثت مجزرة في حلبجي عام 1988م. وكانت الألم الذي لا يُنسى من بين كل ما ذُكِر.
الآن روسيا وأمريكا تستخدمان الأكراد مجددا في كردستان السورية، وتخدعهم بدولة كردية مستقلة.
(عن صحيفة يني شفق التركية، 14 كانون الثاني/ يناير 2016)