من أبرز القضايا التي يجري نقاشها اليوم في تركيا هي: هل تندلع حرب أهلية في البلاد؟ استشهد نحو 60 رجل أمن في حادثتي تفجير سيارة مفخخة في منطقة "بشيكطاش" باسطنبول، والاعتداء الذي استهدف حافلة مدنية تقل عسكريين ومدنيين في مدينة قيصري. إضافة إلى إصابة نحو مائة آخرين بجروح. تسببت هذه الهجمات بسخط جماهيري كبير في تركيا. وبعد تبني منظمة "بي كا كا" الإرهابية لتلك الهجمات زاد غضب الشارع التركي أكثر تم التعبير عنها على شكل احتجاجات عنيفة. تخلل تلك الاحتجاجات إحراق مبنيين تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية، وارتفعت حدة خطاب العنف ضد الأكراد، مما جعل الذعر يدب في نفوسنا.
التحريض العرقي والطائفي
جرت أحداث مماثلة نتيجة سقوط مدينة حلب شمالي سوريا. حيث تسببت المجازر التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية في حلب ضد المدنيين، إلى ارتفاع حالة العداء ضد الشيعة في تركيا إلى درجات خطيرة جدًا. ارتفعت مشاعر العداء في تركيا ضد أتباع المذهب الشيعي وتصاعد الاحتقان الطائفي، على خلفية السياسات التوسعية والاحتلالية التي تنتهجها إيران. حدثت حملة طائفية خطيرة على وسائل الإعلام الاجتماعي، وظهرت خطابات تهديد ضد أبناء الطائفتين العلوية والنصيرية التي تعيش في البلاد.
يجري في هذه الآونة تحريض يستهدف خطوط الصدع الأساسية في تركيا، وهما القضية الكردية والمشكلة العلوية. في الأيام الأخيرة وخاصة بعد الحادثين الارهابيين في اسطنبول وقيصري، تزايدت أعداد الحسابات مجهولة الهوية في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقوم بالتحريض ضد الشيعية، وحسابات أخرى تحرض ضد السنة. وبعد الهجمات الإرهابية أيضًا يجري التحريض بين الأكراد والأتراك، تسعى لدفع المواطنين نحو العنف والتمييز.
حملة ضد التحريض على حرب أهلية
بعد كلتا الحالتين، بدأت حملة ضخمة في الرأي العام. أدانت الحملة حرق مبنيين لحزب الشعب الجمهوري، وأولئك الساعين للتحريض والعنف الطائفي. فيما فتحت الحكومة تحقيقًا في هذا الصدد. كما أشار السياسيون والصحفيون والعلماء والمواطنون إلى خطورة التحريض، وأكدوا عدم السماح بوقوع أي حرب أهلية في تركيا.
هل تنشب حرب أهلية في تركيا؟
اندلاع حرب أهلية في تركيا يكاد يكون من المستحيل. ذلك أن بنية الدولة القوية والتضامن الشعبي الموجود منع حتى الآن من اندلاع حرب داخلية. ومع ذلك، فمن الممكن خلق أجواء متوترة غير مستقرة من خلال منظمات إرهابية كمنظمة "بي كا كا" و"داعش" و"فتح الله غولن". إلا أن تلك الأجواء أيضًا ستكون مؤقتة. ولعل روح التضامن التي سادت الشعب التركي ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف يوليو الماضي، بين جميع فئات الشعب، بتركه وكرده وعربه وسنته وعلوييه، يعد أكبر مؤشر على قوة الشعب ومناعته.
أردوغان وباهجه لي
من ناحية أخرى، ينبغي علينا ذكر هذين الاسمين. الرئيس أردوغان كأكبر مصدر للأمن في البلاد. حيث ارتفعت ثقة المواطن التركي بأردوغان إلى 60?. حيث يعتقد الشارع التركي أن تركيا تحت قيادته لن تتعرض للانقسام والاضطرابات. كذلك زعيم حزب الحركة القومية التركية دولت باهجه لي، يعتبر أيضًا من الشخصيات المهمة في السياسة. حيث يمنع باهجه لي الشباب القومي باستمرار من النزول إلى الشارع. أو تنظيم مظاهرات قد يتضمنها أعمال عنف، ملتزمًا بالمصالح العليا للدولة. ومع ذلك، ينبغي أن نقول بوضوح، إن الهجمات الإرهابية التي استهدفت منطقة بشيكطاش باسطنبول وولاية قيصري كانت احترافية لدرجة عالية. الهجوم الذي استهدف بشيكطاش جرى بواسطة متفجرات من نوع تستخدمه إحدى الدول الأجنبية. أما بالنسبة للحسابات التي تعمل على تحريض المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد لوحظ أن 80? منها تنشط انطلاقًا من ألمانيا. حقًا هناك من يعمل من أجل نشوب حرب أهلية في تركيا.
لكنهم سرعان ما سيدركون أن ذلك مستحيل. فالشعب يملك وعيًا سياسيًا رفيع المستوى. ويعرف كيف يتضامن رغم كل المصاعب. فضلًا عن أن الدولة لن تتسامح مع الإرهاب بأي شكل من الأشكال، وستتخذ موقفا أكثر تشددًا ضده.