احتفل
اللبنانيون هذا الأسبوع بحدث دام انتظاره ستة عشر شهرا فتحرر ستة عشر عسكريا لبنانيا وقعوا أسرى في قبضة جبهة
النصرة، وذلك بموجب
صفقة تبادل تمت بوساطة دولة
قطر، وأعلنت الحكومة عن استعدادها لإبرام مثيلة لها مع تنظيم "داعش" الذي ما زال يختطف تسعة عسكريين لبنانيين.
الحدث وإن اتخذ في بيروت الطابع الإنساني، إلا أن تداعياته سياسية بامتياز وذات منحى إيجابي في ما يتعلق بالاستقرار العام ويمكن أن تُقرأ من أكثر من زاوية ولعل أبرزها عودة الحرارة إلى خطوط تواصل قطعتها الأزمة السورية أو أضعفتها في أحسن الأحوال. فأثمرت لغة التعاون غير المباشر بين كل من قطر وإيران والسعودية وسوريا إنجاح الصفقة.
يقول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي مثل الحكومة اللبنانية في عملية التفاوض وهو شيعي مقرب من
حزب الله ومقبول من كافة الأطراف السياسية: "إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اتصل بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني لتذليل العقبات أمام ملف إطلاق
العسكريين المحتجزين لدى جبهة النصرة... كذلك احتجنا إلى بعض الموقوفين من سوريا وإلى وقف لإطلاق النار فتدخل نصرالله لدى الأسد وحصلنا على ما نريده لإنجاز صفقة التبادل.. لقد كان نصرالله في الأسبوع الأخير لما قبل إتمام الصفقة يتدخل يوميا لمعالجة التعقيدات التي كانت تعتري الصفقة ويتواصل مع أمير قطر لتذليل العقبات... كما أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري زار أمير قطر وأودعه ثقته بي بعد محاولات لمذهبة الملف...".
إذن صفقة التبادل رعتها قطر ودعمتها إيران (نصرالله) وسهّلها النظام السوري وباركتها السعودية (الحريري)... معادلة رباعية تذكر باتفاق الدوحة الذي وقعه ممثلو الفصائل اللبنانية في 21 مايو أيار 2008 في عاصمة قطر وبرعاية أميرها وبدعم مثلث من إيران والسعودية والنظام السوري، والذي أنهى فراغ السنة ونصف السنة في سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية بانتخاب قائد الجيش في حينه الجنرال ميشال سليمان خلفا للرئيس الأسبق الجنرال إميل لحود.
اليوم قارب الفراغ الرئاسي الجديد الناتج عن انتهاء ولاية ميشال سليمان في 25 مايو أيار 2014 السنة ونصف السنة أيضا، والحرارة عادت بنسبة مقبولة إلى التواصل القطري الإيراني، وعلاقة الدوحة مع الرياض في أحسن حالاتها بالمقارنة مع السنوات الماضية، ووضع النظام السوري لا يسمح له بمخالفات الرغبات الإيرانية، وقادة الفصائل اللبنانية يرددون أن بيروت غير حاضرة في حوارات الأروقة الدولية، وعلى اللبنانيين أن يبادروا إلى إنتاج حلول لمشاكلهم بمساعدة الرعاة الإقليميين الذين ما زالوا يحتاجون لبنانا هادئا وحديقة آمنة خلف الجحيم السوري، ومختبرا ميدانيا لأي تسوية إقليمية.
ليست أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية العتيدة هي المهمة بقدر حصص اللاعبين المحليين والإقليميين في سلة الحكم والحكومة، وإذا كانت الرياض وطهران ودمشق عواصم مشاركة في لبنان بأسهم مختلفة، فإن الدوحة من خارج لوائح الأسهم والسندات أسهمت وساندت لبنان في إنهاء فراغه الرئاسي قبل سبع سنوات، وتستطيع تكرار الدور الآن إذا عاودت الأطراف المعنية الاقتناع بطريقتها الخاصة في العمل السياسي والدبلوماسي، وهي طريقة جدّد ثقته فيها السيد حسن نصرالله من خلال لجوئه إلى أمير قطر للإيعاز إلى دوائر حكومته المعنية بتزخيم وساطتها التي أنهت مأساة ستة عشر عسكريا ما يزال لبنان يحتفل بتحريرهم حتى اليوم. فهل تبادر قطر إلى تحضير أوراق مؤتمر اتفاق الدوحة في طبعته الثانية؟