قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد نشرته الأربعاء، إن الثغرات التي تتخلل القوانين
التونسية تمنح مرتكبي جرائم
الاغتصاب والاعتداء
الجنسي والعنف الجسدي مخرجا من العقاب بينما يتربص اللوم والعقاب بالضحايا في حال تجرئهن على الإبلاغ عن تلك الجرائم المرتكبة بحقهم.
ويأتي نشر التقرير المعنون "الاعتداء ثم الاتهام: ضحايا
العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في تونس" بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ولا زالت تونس تتقاعس عن القيام بما يكفل توفير الحماية للنساء اللائي يتعرضن للعنف.
وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية سعيد بومدوحة: "يكشف هذا التقرير التدهور المروع لكيفية تعامل تونس مع مفهوم الجريمة والعقاب.
إذ تتكفل تشكيلة من القوانين البالية وانعدام الفعالية في العمل الشرطي والأنماط السلبية المتجذرة تجاه النوع الاجتماعي بزيادة صعوبة سعي النساء للحصول على العدالة على صعيد ما ارتُكب من جرائم بحقهن، وأحيانا يقومون بمحاكمتهم كأنهن المجرمات".
وأضاف بومدوحة قائلا: "لطالما قادت تونس الركب في العالم العربي بشأن كسر المحظورات وتعزيز حقوق المرأة، وعلى الرغم من الإصلاحات الإيجابية التي شهدتها تونس خلال السنوات الماضية، فلا زال بإمكان المغتصبين ومختطفي المراهقات في تونس اليوم الإفلات من جرائمهم إذا قاموا بالزواج من ضحاياهم.
ويتم اللجوء إلى إشعار النساء بالعار لإجبارهن على إسقاط بلاغاتهن المقدمة بشأن ما يتعرضن له من اغتصاب زوجي أو عنف أسري.
ومن المرجح أن يتعرض المثليون أو المثليات للملاحقة في حال الإبلاغ عما يتعرضون له بدلا من ملاحقة المعتدين عليهم، وفي بعض الحالات، فإن رجال الشرطة هم من يرتكبون الإساءة بحقهم.
وأردف بومدوحة القول إنه "من المقلق أن نرى الناجين من ضحايا هذا الشكل من العنف لا سيما النساء والفتيات وهم يصطدمون بعراقيل كبيرة تحول دون اللجوء إلى القضاء، وغالبا ما تتخلى السلطات عنهم".
ويورد التقرير مقابلات مع عشرات الذين تعرضوا للاعتداء البدني والجنسي والاغتصاب والعنف الأسري والتحرش الجنسي لا سيما النساء والفتيات وغيرهن من الفئات المعرضة للإساءة.
ويواجهن عوائق قانونية أو مجتمعية في حال الرغبة بالإبلاغ رسميا عن الاعتداءات المرتكبة ضدهن ولا يحصلن على المساندة الطبية أو الاجتماعية الكافية.
حكايات مروعة تتحدث عن الإساءة
غالبا ما ترفض الشرطة مثل هذا النوع من البلاغات والشكاوى أو تلقي باللوم على صاحبتها، وفي بعض الأحيان ترى الشرطة أن دورها كدور الوسيط بين الضحية والجاني حتى في حالات الشكاوى الأكثر عنفا.
ومثل هذه المواقف الاجتماعية والقصور من طرف الدولة يعد أكثر ضررا في بلد لا زال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي متفشيا فيه.
فلقد تعرض نحو نصف نساء تونس (47% منهن) لشكل من أشكال العنف وفق نتائج دراسة مسحية وطنية أجريت عام 2010 حول موضوع العنف ضد المرأة، وقليلة هي الإشارات التي تؤكد تحسن الأوضاع على هذا الصعيد منذ ذلك الحين.
وتجد الكثير من التونسيات أنفسهن أسيرات لدوامة العنف بما في ذلك تعرضهن للاغتصاب، وغالبا ما يكون ذلك على أيدي أزواجهن.
وتحدثت منظمة العفو الدولية مع نساء وصفن تعرضهن للصفع والركل والضرب بشتى الأدوات لا سيما الأحزمة والعصي، وغير ذلك من الأجسام، أو تعرضن للتهديد بالسكاكين أو الخنق لا بل وحتى الحرق.
وقالت امرأة لا زالت تتعرض للإساءة: "اعتاد زوجي أن يضربني يوميا.. وعندما تقدمت بشكوى ضده في عام 2009 بعد أن كسر في إحدى المرات أنفي وأحدث جرحا قطعيا في وجهي، وجهت الشرطة اللوم لي أنا شخصيا".
وتقدمت ببلاغ ضد زوجها مجددا في عام 2014، ولكن بدلا من أن تقوم الشرطة باعتقاله، طلبت منه التوقيع على تعهد بعدم التعرض لها بالضرب ثانية، وما انفك لا يتورع عن ضربها دون أن يواجه أي عقوبات على فعلته هذه.
ووصفت نساء أخريات تعرضهن للاغتصاب من لدن أزواجهن، وقالت إحداهن التي تعرضت للاغتصاب الشرجي من زوجها:
"كانت أول مرة واقعني فيها أشبه ما تكون بالاغتصاب. فلقد كان عنيفا وتسبب لي بجروح سرعان ما أصيبت بالتهاب، ولم ننم معا طوال أيام بعد أول ليلة قضيناها سوية، ثم قال لي: أنت زوجتي ولي الحق في أن أفعل ما أريد".
وأخبرت إحدى النساء منظمة العفو الدولية أنها تعرضت للاغتصاب وهي في سن الـ17 من رجل التقت به عقب فرارها من العنف الأُسري في منزلها.
وحملت على إثر ذلك وشعرت أنها مجبرة على الزواج من مغتصبها تفاديا للعار الذي يلحق بها إذا أصبحت أما دون زواج. وهي الآن مطلقة، ولكن ثمة مادة في القانون التونسي تتيح لمغتصبي النساء دون سن 20 عاما الإفلات من الملاحقة الجنائية على فعلتهم في حال قيامهم بالزواج من ضحاياهم، أي أن القانون لن يدين طليقها بتهمة ارتكاب جريمة الاغتصاب بحقها كونه قد قام بالزواج منها.
ويحذر التقرير من أن القوانين التي تتناول موضوع الاغتصاب في تونس تنطوي على عيوب كبيرة وتردع الضحايا عن الإبلاغ عما تعرضن له من جرائم.
وعمليا، تركز هذه القوانين بشكل غير مبرر على إثبات استخدام العنف أو القوة، ما يجعل من الصعب على المرأة أن تثبت تعرضها للاغتصاب دون إبراز دليل طبي يوثق آثار الإصابات التي لحقت بها.