أثار معهد واشنطن في تقرير له "ضرورة استخدام القوة العسكرية البرية لهزيمة
تنظيم الدولة، وتساءل: " متى تدرك الولايات المتحدة بأنها في حاجة ماسة إلى استخدام القوة العسكرية الحقيقية لهزيمة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية؟".
وأشارت إلى أنه في ظل الهجمات المروعة في باريس، التي جاءت في أعقاب قيام تنظيم الدولة على الأرجح بتفجير طائرة ركاب روسية في سيناء في خضم الأزمات الناجمة عن الصراعات ذات الصلة التي تدور في العراق وسوريا، يتطلب ذلك إجراءات عسكرية أكثر واقعية لردع التنظيم.
ولفتت إلى أنه بعد مرور ما يقرب من 18 شهرا على بدء إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما باتخاذ أنصاف الحلول، من الواضح أنه لن تتم هزيمة تنظيم الدولة في غياب
قوات برية متنقلة من الدرجة الأولى، تكون مترابطة مع قوة جوية ساحقة.
وبحسب التقرير الذي أعده الباحث في المعهد جيمس جيفري، فإنه يجب ألّا تكون تلك القوة البرية كبيرة، فعلى سبيل المثال، كانت القوة الأمريكية الرئيسة المهاجمة التي شاركت في أكبر معركة في حرب العراق الثانية في الفلوجة عام 2004، مكونة فقط من سبع إلى ثماني كتائب، مع تعزيز ودعم لوجيستي، ليصبح عدد أفرادها 7000 إلى 8000 جندي.
ويرى جيفري الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في تركيا 2008-2010 والعراق 2010-2012، أنه يجب أيضا ألّا تكون جميع القوات البرية أمريكية، موضحا أنه بإمكان القوات الفرنسية وغيرها من القوات الغربية التي تمتلك مستوى جيد من الخبرة، أن تستكمل القوات الأمريكية، وهو الأمر بالنسبة لنظيراتها من التشكيلات العراقية والسورية الفعالة.
وقال إنه في غياب قوات برية أمريكية لن يحدث أي من ذلك. وسوف يحافظ تنظيم الدولة على تماسك "دولته"، كما أن هجماته المضادة وكذلك الاستغلال الإيراني - الروسي له لتحقيق أهدافهما العدوانية الخاصة سيؤدي كل ذلك إلى زعزعة الاستقرار في الكثير من دول أوراسيا، ويعرّض الولايات المتحدة مرة أخرى لهجمات إرهابية واسعة النطاق، وفق رأيه.
وانتقد الباحث الأمريكي حقيقة عدم تقبل الإدارة الأمريكية ومرشحي الرئاسة الأمريكيين وخبراء من الخارج عموما، الواقع الجديد، حتى بعد الهجمات في باريس الأسبوع الماضي.
وأشار في تقريره إلى تصريحات كل من القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الأدميرال جيمس ستافريدس وحاكم ولاية أوهايو والشخصية الرائدة المرشح للرئاسة الأمريكية جون كاسيش من الحزب الجمهوري، التي حثا فيها حلف الناتو على تولّي مسؤولية الحملة ضد تنظيم الدولة.
واقترح مرشحون آخرون من الحزب الجمهوري شن ضربات جوية أكثر فعالية. وتحدثت المرشحة للرئاسة الأوفر حظا من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أساسا حول توسيع النسخة الحالية للاستراتيجية الأمريكية، لكنها أضافت قائلة: "لا يمكن أن تكون معركة أمريكية". وكان السناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية جنوب كارولينا) المرشح الوحيد من بين الكثير من مرشحي الرئاسة الذي ضغط من أجل نشر قوات برية أمريكية تقليدية كبيرة.
وتساءل جيفري قائلا: "لماذا لا تحظى عملية عسكرية تقليدية بمناقشة جادة بينما تُعدّ أمرا واضحا؟"، وأجاب على ذلك بالقول إنه يعود جزئيا إلى أن "شعار الإدارة الأمريكية الحالية هو عدم وجود حل عسكري لأي شيء. وفي الجزء الآخر لأن العديد من الأمريكيين، ناهيك عن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين (البرلمان البريطاني اختار للتو ألّا يشارك في العمليات الجوية فوق أجواء
سوريا)، يعتبرون أن العمليات العسكرية، خصوصا العمليات العسكرية البرية في منطقة الشرق الأوسط، تؤدي إلى نتائج عكسية في أحسن الأحوال، وكوارث في طور التكوين في أسوأ الأحوال".
ووفقا لتقرير معهد واشنطن، فإن استطلاعات الرأي حتى قبل وقوع الهجمات في باريس، أظهرت أن أغلبية كبيرة من الأمريكيين شعروا بخيبة أمل جراء قيام الإدارة الأمريكية بحملة ضد تنظيم الدولة، مدركين بأن التشدد والتطرف يشكل تهديدا خطيرا".
ولكن لا يزال أكثر من النصف من الذين شملهم الاستطلاع يعارضون استخدام القوات البرية الأمريكية، وفق التقرير. وعلل ذلك بالقول إن تم تعزيز هذا التفكير بشكل كبير نتيجة كفاح القوات البرية الأمريكية في حربي العراق وأفغانستان، ولكن جذوره تكمن في التدخلات الفاشلة في الصومال وبيروت، وفي فيتنام بطبيعة الحال.
بيد أن هذا التفكير يتجاهل الحقيقة وراء هذه الإخفاقات، بحسب الباحث، موضحا: "فقد كانت جميعها تدخلات في حروب أهلية أو عمليات لمكافحة التمرد، من خلال نشر قوات أمريكية تقليدية لحل الصراعات الاجتماعية اللامتناهية ولبناء الدول. إن ذلك ليس ما يتطلبه إنهاء سريع للقوة التقليدية ظاهريا لتنظيم الدولة".
والانتقاد الثاني للباحث، هو أن استخدام القوات البرية يتطلب إجابات مقنعة ومفصلة للأسئلة التي ستُطرح في "اليوم التالي" حول كيفية تنظيم المناطق الجغرافية الكبيرة، وتوفير الأمن للسكان المحررين، والحفاظ على الأمل من أجل قيام مستقبل أفضل بديلا للتطرف.
ولفت إلى أن هناك بديلا ممكنا لحجة أخرى ضد نشر قوات برية أمريكية، ويتمثل بـ"وجود قوة جوية أمريكية عالية الجهد وجسيمة حقا، ومشاركة جهدا استشاريا يكون مرتبطا بقوات برية محلية، مع قواعد اشتباك أكثر تساهلا، ونشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية في مواقع متقدمة".
وأشار إلى أنه في حين تم اتباع هذه المقاربات بصورة ناجحة في أفغانستان في عام 2001، وشمال العراق في عام 2003 والبصرة في عام 2008 وقندوز قبل شهر، إلا أنه لم يتم تجربتها حقا ضد تنظيم الدولة.
وقال إنه المشكلة الآن أنه "لم يعد لدى الولايات المتحدة متسع من الوقت لمعرفة ما إذا كان بإمكان نجاح هذا النهج الذي هو دون المستوى الأمثل، كما أنه ليس لديها ما يكفي من الشركاء المحليين الفاعلين".
وأوضح ذلك بالقول: "فالعناصر الكردية المختلفة، وقوات الأمن العراقية، والقبائل السنية، والمليشيات الشيعية ومقاتلي المقاومة السورية على الأرض لا يتمتعون بولاء مشترك؛ والكثير منهم يتحدون بعضهم البعض بقدر مجابهتهم لتنظيم الدولة. وببساطة لا يمكن للولايات المتحدة حل هذه القضايا في الوقت اللازم لجعل هذه المجموعة القوة الهجومية الأولية".
وقال أيضا إن حتمية تجنب وقوع خسائر أمريكية عادة ما تنهي النقاشات حول نشر قوات برية. وفي حين، أن القيام بعمليات هجومية واضحة وقصيرة المدى عادة ما تولّد خسائر محدودة نسبيا، إلا أن الحقيقة هي أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ مستويات الضحايا، وأن أي وفيات بسبب العمليات القتالية تشكل مأساة وتنطوي على مخاطر سياسية.
وختم تقريره بالتساؤل: "إلى أي مرحلة من القتال يؤدي مثل هذا النهر المتزايد من الدماء في سوريا والعراق والمنطقة إلى تبرير المخاطرة بحياة الأمريكيين؟".