بقدر ما يكون الترقب على مستوى العالم لنتائج الانتخابات تكون أهمية النتائج ومدى تأثيرها، هكذا حظيت الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة باهتمام العالم أجمع وذلك يزيد من قيمة الدولة ويجسد فاعلية الشعب ومكانته.
من الطبيعي أن يسهر أنصار"
العدالة والتنمية" حتى الصباح فرحا بانتصارهم الساحق وتجاوبا مع رسالة الشعب التركي التي أرسل بها عبر صناديق الانتخاب، لتظل
تركيا أمانة في أعناقهم وليواصلوا ما بدؤوه قبل ثلاثة عشر عاما (2002م) من نهضة عملاقة.
ولكن اللافت حقا هو أن يحتفي بذلك الانتصار - بملئ إرادتهم - جماهير مصيرية في عمق صعيد وريف مصر مثلما فعل أبناء قرية الميمون بصعيد مصر رافعين لافتات في ظلام دامس وبرد قارس تحمل صور
أردوغان وتحتها عبارة "ألف مليون مبروك"، تلك القرية التي حاصرها الانقلاب أكثر من شهرين عقابا لها على معارضته وعدم الاعتراف به.
وفي المستوى ذاته احتقل مسلمو الروهينجيا الواقعين تحت القمع البوذي وكذلك أهلنا في فلسطين وفي أعماق آسيا، هكذا خرجت الجماهير في بقاع عديدة من العالم بصورة عفوية فرحا بذلك النصر الكبير.
إن الدولة التركية تحولت عبر حكم "العدالة والتنمية" إلى رمز لنصرة الحق والعدل ودعم
الشعوب المستضعفة فوقفت شعوب كثيرة حول العالم بكل احترام وإجلال تترقب النتائج، وهي تدعو الله بنصرة هذا الحزب حتى يواصل رعاية ودعم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وحتى يواصل رفض الانقلاب العسكري الدموي في مصر وعدم الاعتراف إلا برئيس واحد لمصر هو الرئيس مرسي وحتى يواصل دعم قضايا الأقليات المسحوقة في بورما (الروهنجيا) وتركستان الشرقية وشعوب آسيا الوسطي وحتى يواصل الوقوف بقوة ضد المشروع الفارسي الذي يسعى للهيمنة على المنطقة.
لقد تعلمنا من دروس التاريخ الحديث والقديم أن علاقة القوى الكبري ببقية دول العالم تنحصر في الغزو والهيمنة والاستعباد أو بالقواعد العسكرية والهيمنة على ثرواتها لكن تركيا اليوم حازت احترام وحب شعوب كثيرة وامتلكت موقعا متميزا لديها عبر المساعدات المادية والمعنوية والوقوف إلى جوارها في محنتها وسط صمت العالم الذي يسمى نفسه نصيرا للحريات وحقوق الإنسان.
إن المتفحص لخريطة العالم يجد أن كثيرا من دول المنطقة منها من اكتفى بالانكفاء على وضعه القطري ومنها من تخطى دوره محاولا الهيمنة والاحتلال وقتل الشعوب المجاورة مثلما تفعل إيران اليوم بينما تخطت تركيا بمواقفها التاريخية إلى محيطها الإقليمي عبر نصرة القضايا العادلة.
وقد تمكن حزب العدالة والتنمية على امتداد ثلاثة عشر عاما من حكمه من تحقيق طفرة تاريخية في حياة الشعب التركي حققت له استقلالا اقتصاديا واستقرارا اجتماعيا مثل قاعدة صلبة للانطلاق بمواقفه القوية في محيطه الإقليمي ومكنه من اتخاذ قراراته وتنفيذ سياساته بكل استقلال وحرية بما جعله يحظى باحترام كبير في العالم.
ولهذا كله كانت فرحة شعوب كثيرة في العالم بانتصار العدالة والتنمية وقد تجاوب البروفيسور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء في كلماته المتعددة في قونية وأنقرة يوم إعلان النتائج مع تلك المشاعر فلم ينس القدس وهو يؤكد رفض تركيا مصادقة من يدنسون المسجد الأقصى ولم يفته الإعلان عن دعم ثورة الشعب السوري ودعم لاجئيه ورفض الانقلاب العسكري في مصر ودعم كل القضايا العادلة في العالم.
وغني عن البيان هنا أن حزب "العدالة والتنمية" الذي وضع على رأس برنامجه ترسيخ الهوية الإسلامية لتركيا وشعبها المسلم، أعاد الاعتبار للإسلام وشعائره وقيمه بصورة حضارية دون فرض أو إكراه وجدت فيه الشعوب المسلمة حول العالم المحرومة من الإسلام دينا وحضارة وسلوكا وقيما بارقة أملا في استعادة هويتها ودينها.
لقد قاد حزب العدالة والتنمية تركيا على طريق الدول العظمي وأصبح الموقف والقرار التركي مؤثرا في محيطه الإقليمي والدولي، وذلك يلقي بعبء كبير علي الشعب التركي ليظل خلف حكومته حتى تكون في مصاف الدول العظمى بل وفي مقدمتها. إن هذا الانتصار الكبير بقدر ما أفرح شعوب كثيرة حول العالم إلا أنه قد أشعل الغضب في قلوب أعداء الإنسانية وأعداء العدالة والحق حول العالم فلن يكف كيدهم وتدبيرهم، ولن يتوقف إهدارهم المزيد من المليارات لعرقلة أو إفشال العملاق المنطلق نحو النهضة الكبرى لكن "فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ".