نشرت صحيفة لوموند الفرنسية؛ تقريرا حول إستراتيجية كل من
روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رأت فيه أن روسيا دخلت في مغامرة شبيهة بلعبة البوكر الأمريكية، في حين أن أمريكا تتحرك وفق إستراتيجية محددة كأنها تلعب الشطرنج الروسي.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إنه منذ وصوله فلاديمير
بوتين إلى منصب الرئاسة في روسيا سنة 2000، وهو يحاول بكل السبل إرجاع روسيا إلى مكانتها التي كانت عليها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.
ورأت الصحيفة أنه لا يمكن أن تعود روسيا إلى مكانتها، إلا من خلال خلق حالة من الاضطراب والتوتر مع واشنطن، القوة العسكرية الأولى في العالم.
وقد بدأت روسيا فعلا في التحرك، فبعد الهجمة التي شنتها على جورجيا سنة 2008، ثم قيام بوتين بضم جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا في 2012، والتصدي لانفصاليي دونباس المسلحين، برزت موسكو من جديد على الساحة الدولية.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي باراك
أوباما كان من الممكن أن يضع حدا لتصرفات بوتين منذ البداية، عندما عزم على معاقبة نظام بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيمائية ضد شعبه، لكنه تراجع عن ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل الروسي العسكري في
سوريا، الذي بدأ في 30 أيلول/ سبتمبر، جاء نتيجة لفقدان الشرق الأوسط قيادات تمسك بزمام الأمور، ما فسح المجال أمام بوتين ليتصرف وفق رؤيته لحماية نظام الأسد، مستخدما القوة العسكرية تارة والدبلوماسية تارة أخرى.
ويظهر أوباما عاجزا عن استخدام القوة، كما تقول الصحيفة، ما جعله يفقد ثقة العديد من حلفائه، مثل تركيا والسعودية وفرنسا، خاصة بعد الاتفاق الذي توصل إليه مع إيران حول برنامجها النووي.
وذكرت الصحيفة أن عملية إعادة روسيا للمشهد العالمي لم تتصف بالنجاعة، إذ إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، من وجهة نظر الروس، كان عملية ضرورية، ولكنها مكلفة جدا. فكلفة بقاء الأسطول البحري الروسي في جزيرة القرم، والمفترض أن يدوم 30 سنة، قد تصل إلى 20 مليار دولار.
ودفع التدخل الروسي -الذي أدى إلى زعزعة استقرار أوكرانيا-؛ الدول الأوروبية والولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، وكل هذه العوامل جعلت الاقتصاد الروسي يدخل في حالة من الركود والانكماش.
وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل الروسي في سوريا لمساندة نظام الأسد؛ استنفر عداوة دولتين هما السعودية وتركيا، فالأولى لها دور كبير ومُؤثر في أسعار البترول، والثانية يمر عبرها الغاز الروسي إلى أوروبا.
وأضافت أن الدور الذي تلعبه الآن روسيا خلّص أوباما من أعباء إضافية، ذلك أنه لم يخرج بعد من مستنقع العراق وأفغانستان. وبينما تشير الصحيفة إلى أن ما قامت به روسيا أعاد لها هيبتها العسكرية، لكنها رأت أن ذلك غير مجد على المدى البعيد، فروسيا تعتمد في اقتصادها بالأساس على المواد الخام، لا على مؤسسات قوية، كما أن تركيبتها السكانية في تراجع. وبالتالي، فإن لعبة البوكر، وهي لعبة القمار الأمريكية التي تلعبها روسيا الآن، تستلزم وجود العديد من المدعمات لتحقيق الفوز، على عكس ما تقوم به روسيا التي دخلت مغامرة غير محسوبة العواقب، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وقالت الصحيفة إن ما قام به أوباما سنة 2013، عندما خذل الشعب السوري ورفض تسليم المعارضة المعتدلة مضادات طائرات لمنع نظام بشار الأسد من رمي البراميل المتفجرة، وهو ما كلف سوريا عشرات الآلاف من الضحايا، لن يغفره له التاريخ، خاصة أنه حصل على جائزة نوبل للسلام في سنة 2009.
وأوردت أن أوباما لا يتصرف وفق الحس الأخلاقي و"المواقف المرتجلة"، ولكن وفق أهداف إستراتيجية، فهو يسعى لإنهاء تبعية النفط مع السعودية، من خلال البحث عن مصادر أخرى للطاقة مثل استغلال النفط الصخري مثلا.
وأشارت إلى أن أوباما يفضل وضع مخططات عمل على المدى البعيد، وهذا ما يفسر إبرامه الصفقة النووية مع إيران، حتى ولو استدعى ذلك صنع عداوة مع إسرائيل والسعودية.
وقالت الصحيفة إن أمريكا، منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، تعمل على فك الارتباط مع بترول السعودية، وذلك بهدف الوقوف ضد ما تعتبره "ضلوع المملكة في نشر الفكر المتطرف والإيديولوجية القاتلة حول العالم".
وفي الختام؛ قالت لوموند إن إستراتيجية أوباما بعيدة المدى، تجعله يخسر الكثير من الأنصار في الشرق الأوسط، وأن انتصار أمريكا في لعبة الشطرنج مرهون بمن سيأتي بعد أوباما لمواصلة اللعب، على عكس بوتين فهو باق في الرئاسة لفترة أطول.