نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، تقريرا تعرضت فيه إلى التأثير المتزايد للرئيس الروسي فلاديمير
بوتين على الساحة الدولية، وإصراره على الدفاع عن بشار
الأسد رغم وقوف العالم ضده، مشيرة إلى أن القرارات التي اتخذها الرئيس الروسي حول الصراع في
سوريا تدل على تنامي نفوذه وجرأته.
وأفادت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، بأن طريقة تعامل بوتين مع الملف السوري ليست سوى انعكاسا لشخصيته ولقناعاته السياسية، باعتبار أن بوتين هو من المدافعين على النظام السياسي التقليدي الذي تتكفل فيه الدولة بالقيام بكل شيء، متجاهلة بذلك دور الهياكل السياسية، والمؤسسات الحكومية، أو المنظمات غير الحكومية.
ورأت أن مساندته لنظام الأسد هي نتيجة لعقيدة ديبلوماسية تقليدية، تؤمن بالتشابه الكبير بين الاشتراكية والقومية، التي انبثق عنها التيار البعثي السوري.
وأضافت أن موقف بوتين يعززه الصراع الثنائي القائم بين الشرق والغرب؛ حيث أنه يعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال تحاول عزل
روسيا اقتصاديا عبر نشر نظام الرأسمالية، وعسكريا من خلال تعزيز قوة حلف شمال الأطلسي.
وأشارت إلى أن لعبة التحالفات التاريخية هي من العوامل الأساسية التي أنتجت هذا الصراع، حيث تعتمد الولايات المتحدة على حلفائها من الكتلة السنية، والمتمثلة أساسا في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتركيا، بينما اختار النظام السوري العلوي التحالف مع الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران إلى حزب الله في لبنان.
ونقلت الصحيفة عن الكاتب والمفكر الفرنسي جان فرنسوا كولوسيمو؛ أن" التدخل الروسي في سوريا يكشف عن أهداف بوتين التكتيكية والاستراتيجية، باعتبار أنه يؤمن بأن الولايات المتحدة تعتمد على مبدأ زعزعة الاستقرار كطريقة لنشر هيمنتها، على غرار ما حصل في العراق وأوكرانيا وكوسوفو، ولذلك فقد وجد طريقة للمحافظة على التوازن، تتمثل في السيطرة على شبه جزيرة القرم، والقضاء على الخطر الذي تمثله المجموعات المتشددة المسلحة، خاصة وأن روسيا تحوي ملايين المواطنين المسلمين.
كما أشارت الصحيفة إلى أن رفض بوتين لفرضية إقصاء الأسد من المعادلة؛ يرجع لعدة أسباب، منها طبيعة التحالف الروسي العلوي التاريخي المبني على التعاطف مع الأقليات من جهة، والحفاظ على مصالح الكرملين من جهة أخرى، من خلال مهاجمة مصالح الغرب، وهو السياق الذي يندرج فيه تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن "الكل إرهابي، باستثناء بشار"، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع التوجه الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأفادت الصحيفة بأن ازدياد العداء بين بوتين والإدارة الأمريكية، يعود إلى نقض الجانب الأمريكي للاتفاق الذي تم توقيعه مع آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، إثر سقوط جدار برلين، القاضي بوقف الزحف الغربي نحو الحدود الروسية، باعتبار أن حلف شمال الأطلسي قد تمكن من ضم عشرة بلدان خلال العشرين عاما الأخيرة، في إطار سعيه لتضييق الخناق على الحدود الغربية لروسيا.
وأضافت أن الحكومة الأمريكية من جهتها؛ تعتبر روسيا العدو الأساسي لها، وهو أمر كشفته الاختيارات الدبلوماسية لإدارتي جورج بوش وباراك أوباما، من خلال تعيين خبير في الحركات الشيوعية كوزير للشؤون الخارجية، ومن خلال تصريحات البنتاغون المتعددة بأن روسيا خطر مهدد لأمن الولايات المتحدة، نظرا لترسانتها النووية الضخمة، وقدرتها على قلب موازين القوى متى قررت التدخل.
وأكدت الصحيفة أنه بالرغم من ثناء دونالد ترامب، وهو المرشح الأوفر حظا في الحزب الجمهوري، على "الشخصية القيادية التي يتمتع بها بوتين"، وحديثه المتواصل عن إقامة "علاقة ممتازة" معه في حالة تم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة، فإن التوجه التقليدي في السياسة الخارجية بين موسكو وواشنطن يجنح نحو غياب الثقة والتواصل.
وأشارت إلى أن الحرب في الشرق الأوسط تقلق الرأي العام في أمريكا وروسيا على حد سواء، فبالرغم من دعم معظم الروس لما يقوم به بوتين في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فإن مخاوفهم تظل كبيرة من أن يوقظ الانخراط في المستنقع السوري ذكريات أليمة عن أفغانستان.
ورأت الصحيفة أن مواقف المجتمع الدولي بشأن مسألة انهيار الحدود في الشرق الأوسط لا تزال غير واضحة، والمهمة تقع على عاتق الحكومات من أجل تعبئة الرأي العام، خاصة وأن موضوع المجموعات المسلحة الناشطة في المنطقة يتجاوز مسألة السياسة الخارجية في عدد من البلدان الأوروبية، ليتحول إلى مسألة أمن قومي.
وقالت الصحيفة إنه في حالة نجاح بوتين في فرض نفوذه على الشرق الأوسط وإجبار الغرب على الإذعان لإرادته، فإن ذلك سيكون نتيجة مباشرة للتناسق بين سياسته الخارجية والداخلية، وهو الأمر الذي لم تنجح الحكومات الغربية في تحقيقه، وخاصة الحكومة الفرنسية الحالية.